والرابع: قولهم في نحو: {وكلا منها رغدا}
  أي: أكلاً رغداً، وذكراً كثيراً، واشتعالاً مثل اشتعال النار.
  قيل: ومذهب سيبويه والمحققين خلافُ ذلك، وأن المنصوبَ حال من ضمير مصدر الفعل؛ والأصل: فكلاه، واشتعله، أي: فكُلا الأكل واشتعل الاشتعال، ودليل ذلك قولهم: «سِيرَ عَلَيْهِ طَوِيلاً»، ولا يقولون: طويل، ولو كان نعتاً للمصدر لجاز، وبدليل أنه لا يُحذف الموصوف إلا والصفة خاصة بجنسه، تقول: «رَأَيْتُ كَاتِباً» ولا تقول: «رأيت طويلاً»، لأن الكتابة خاصة بجنس الإنسان دون الطول.
  وعندي فيما احتجوا به نظر؛ أما الأول فلجواز أنَّ المانع من الرفع كراهية اجتماع حذف مجازَيْنِ: الموصوف، وتصيير الصفة مفعولاً على السِّعَةِ؛ ولهذا يقولون: «دَخَلْتُ الدَّارَ» بحذفِ «في» توسعاً؛ ومنعوا «دَخَلْتُ الأمْرَ» لأن تعلق الدخول بالمعاني مجاز، وإسقاط الخافض مجاز؛ وتوضيحه أنهم يفعلون ذلك في صفة الأحيان، فيقولون: «سير عليه زَمَنٌ طويل»، فإذا حذفوا الزمان قالوا: «طويلاً»، بالنصب لما ذكرنا؛ وأما الثاني
  ضمير مصدر الفعل) أي: حال من الضمير المنصوب للعائد على مصدر الفعل. قوله: (قولهم) أي: العرب قوله: (سير عليه طويلاً) أي: فنائب الفاعل ضمير المصدر وطويلاً حال منه. قوله: (ولو كان) أي: طويلاً نعتاً للمصدر لجاز أي: أن يقال طويلاً؛ لأنه يكون صفة للمفعول المطلق ومن المعلوم أنه إذا جعل نائب الفاعل المصدر فصفته تكون نائبة عند حذفه. قوله: (إلا والصفة خاصة بجنسه) أي: والرغد بمعنى السعة ليس خاصاً بالأكل والكثرة ليست خاصة بالذكر ومماثلة اشتعال النار في جزل الغضى ليست خاصة باشتعال الشعر الأبيض في الأسود. قوله: (تقول رأيت كاتباً) أي: إنساناً كاتباً وقوله: ولا تقول رأيت طويلاً أي إنساناً طويلاً قوله: (فيما احتجوا) أي: سيبويه والمحققون. قوله: (أما الأول) أي: أما النظر في الدليل الأول. قوله: (إن المانع من الرفع) أي: من رفع طويل في قولهم سير عليه طويلاً قوله: (مجازين) أراد بهما مخالفة الأصل أما المجاز البياني فلا يكره مدده وسبق هذا نحو أخيار الأرض شباب الزمان. قوله: (مفعولاً) أي: نائباً عن الفاعل وقوله: على السعة أي على خلاف الأصل؛ لأن النائب حقيقة هو الموصوف فلما حذفت قامت صفته مقامه في النيابة على خلاف الأصل. قوله: (ولهذا) أي: ولأجل كراهة اجتماع مجازين أي أمرين على خلاف الأصل. قوله: (لأن تعلق الدخول بالمعاني مجاز) وتعلقه بالأجسام حقيقة ففي دخلت الدار مجاز واحد وفي دخلت الأمر مجازان وهم يكرهون الثاني دون الأول. قوله: (وتوضيحه) أي: وحاصله أنهم يفعلون ذلك أي: الرفع أي: يأتون به في صفة الأحيان؛ لأنه لا يلزم عليه اجتماع مجازين الذي هو مستكره عندهم قوله: (طويلاً بالنصب) أي: على الحال من ضمير المصدر النائب عن الفاعل قوله: (لما ذكرنا) علة المحذوف أي: لا بالرفع لما ذكرنا من لزوم