الثامن عشر: قولهم في «كاد»: إثباتها نفي ونفيها إثبات
  ٨٩٩ - كادَتِ النَّفْسُ أَنْ تَفِيضَ عَلَيْهِ ... [إِذْ غَدَا حَشْوَ رَيْطَةٍ وَبُرُودِ]
  ودليل الثاني {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ٧١}[البقرة: ٧١] وقد اشتهر ذلك بينهم حتى جعله المعري لغزاً، فقال [من الطويل]:
  أَنَحْوِيَّ هَذَا الْعَصْرِ مَا هِيَ لَفْظَةٌ ... جَرَتْ فِي لِسَانَي جُرْهُم وَثَمُودِ
  إذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي صُورَةِ الْجَحْدِ أَثْبَتَتْ ... وإِن أَثْبَتَتْ قَامَتْ مَقامَ جُحُودِ
  والصواب أن حُكْمَها حكم سائرِ الأفعال في أنَّ نَفْيها نفي وإثباتها إثبات، وبيانه: أن معناها المُقَاربة، ولا شكٍّ أن معنى «كاد يفعل»: قارَبَ الفعل، وأن معنى «ما كاد يَفْعَلُ»: ما قارب الفعلَ؛ فخبرها منفي دائماً، أما إذا كانت منفية فواضح، لأنه إذا انتفت مُقَارَبَةُ الفعل أنْتَفى عقلاً حصول ذلك الفعل، ودليلهُ {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}[النور: ٤٠]، ولهذا كان أبلغ من أن يقال: «لَمْ يَرَهَا» لأن من لم يَرَ قد يقاربُ
  قوله: (أن تفيض عليه) أي: على هذا المرثي لما مات وصار في كفنه لم تفض نفس أصحابه لأجله إذ لو فاضت لماتوا قوله: (أن تفيض) بالفاء مع الضاد المعجمة أو الظاء المشالة وتمامه:
  مذ غدا حشو ريطة وبرود
  وهو لمحمد بن مناذر شاعر البصرة وقبله:
  إن عبد الحميد حين توفي ... هد ركنا ما كان بالمهدود
  ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود
  قوله: (وما كادوا يفعلون) أي: فقد فعلوا الذبح قوله: (في أن نفيها نفي وإثباتها إثبات) أي: فالنفي الموجود في تلك الحالة مستفاد من المعنى لأن الإخبار بقرب الشيء يقتضي عرفاً عدم حصوله. قوله: (أما إذا كانت الخ) أي: أما وجه انتفاء خبرها إذا كانت منفية. قوله: (ودليله) أي: دليل كون خبرها منفياً إذا كانت منفية. قوله: (لم يكد يراها) أي: لم يقرب من رؤيتها وإذا انتفى مقاربة رؤية اليد انتفت رؤيتها. قوله: (ولهذا) أي: لكونه يلزم من نفي مقاربة الفعل انتفاؤه وقوله كان أي لم يكد يراها.
٨٩٩ - التخريج البيت بلا نسبة في (أدب الكاتب ص ٤٠٦؛ وأوضح المسالك ١/ ٣١٥؛ وخزانة الأدب ٩/ ٣٤٨؛ وشرح الأشموني ١/ ١٢٩؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٩٤٨؛ وشرح ابن عقيل ص ١٦٧؛ ولسان العرب ٦/ ٢٣٤ (نفس)، ٧/ ٤٥٤ (فيظ)؛ ونسبه الأب حنا الفاخوري في تحقيقه لشرح شذور الذهب ص. ٢٩٣ لمحمد بن مناذر اليربوعي بالولاء.
اللغة والمعنى: تفيض: تهلك. الريطة: الثوب الذي يشبه الملحفة، وهنا بمعنى الكفن. البرود: الثوب المخطط.
يقول: كادت النفس تفارق الجسد لفقد ذلك الرجل الذي لف بأكفانه.