حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الثامن عشر: قولهم في «كاد»: إثباتها نفي ونفيها إثبات

صفحة 478 - الجزء 3

  أكثر النحويين في هذه المسألة أنهم يمثلون المفعول المطلق بأفعال العباد، وهم إنما يجري على أيديهم إنشاء الأفعال لا الذوات، فتوهَّمُوا أن المفعول المطلق لا يكون إلا حَدَثاً؛ ولو مثلوا بأفعال الله تعالى لظهر لهم أنه لا يختص بذلك، لأن الله تعالى مُوجد للأفعال والذوات جميعاً، لا مُوجِدَ لهما في الحقيقة سواه سبحانه وتعالى؛ وممن قال بهذا الذي ذكرته الجرجاني وابن الحاجب في أماليه.

  وكذا البحث في «أنشأت كتاباً» و «عمل فلانٌ خيراً»، و {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}⁣[البقرة: ٢٥].

  وزعم ابن الحاجب في شرح المفصل وغيره أن المفعول المطلق يكون جملة، وجعل من ذلك نحو: «قال زيد عمرو منطلق» وقد مضى رَدُّه؛ وزعم أيضاً في «أنبأتُ زَيْداً عمراً فاضلاً» أن الأول مفعول به والثاني والثالث مفعول مطلق؛ لأنهما نفس النبأ، قال: بخلاف الثاني والثالث في «أعلمتُ زيداً عمراً فاضلاً» فإنهما متعلقا العلم، لا نفسه، وهذا خطأ؛ بل هما أيضاً مُنْبأ بهما، لا نفس النبأ؛ وهذا الذي قاله لم يَقُلْه أحد، ولا يقتضيه النظر الصحيح.

  الثامن عشر: قولهم في «كاد»: إثباتُهَا نَفْي ونَفْيها إثبات، فإذا قيل: «كادَ يَفْعَلُ» فمعناه أنه لم يفعل، وإذا قيل «لم يَكَدْ يَفْعَل» فمعناه أنه فعله، دليل الأول {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}⁣[الإسراء: ٧٣]، وقوله [من الخفيف]:


  أي: وحينئذ فلا يكون موجوداً قبل الفعل الذي عمل فيه قوله: (في هذه المسألة) أي: حيث قالوا أن السموات مفعول به قوله: (بأفعال العباد) نحو الضرب في ضربته ضرباً. قوله: (انه) أي: المفعول المطلق وقوله لا يختص بذلك أي بالحديث بل تارة يكون حدثاً وتارة يكون ذاتاً قوله: (لأن الله تعالى موجد للذوات والأفعال جميعاً) فعل العبد مستند إلى الله تعالى من جهة الإيجاد وإلى العبد من جهة الكسب وتحقيق ذلك أن صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل كسب وإيجاد الله تعالى الفعل عقيب ذلك خلق والمقدور الواحد يدخل تحت قدرتين لكن بجهتين مختلفتين ففعل العبد مقدور الله تعالى إيجاداً مقدور للعبد كسباً اهـ شمني قوله: (وممن قال بهذا الذي ذكرته) أي: من كون السموات مفعولاً مطلقاً. قوله: (قال زيد عمرو منطلق) أي: فجملة عمرو منطلق في محل نصب على أنها مفعول مطلق عنده لا مفعول به لأنها نفس القول قوله: (وقد مضى رده) يعني في الجملة الثالثة من الجمل التي لها محل من الإعراب، وقوله مضى رده أي بأنها متعلق القول لا نفسه. قوله: (وإن كادوا ليفتنونك) أي: فإن معناه أنهم لم يفتنوك.