القاعدة الثالثة
  معنى {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ}[الكهف: ٢٨] إلى قولك: ولا تقتحم عيناك مجاوزين إلى غيرهم {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢]، أي: ولا تضموها إليها آكلين، اهـ.
  ومن مثل ذلك قوله تعالى: {الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}[البقرة: ١٨٧] ضمن الرفث معنى الإفضاء، فعُدّي بـ «إلى» مثل {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}[النساء: ٢١]، وإنما أصل الرّفث أن يتعدى بالباء، يقال: «أرْفَثَ فُلانٌ بامرأته»؛ وقوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ}[آل عمران: ١١٥] أي: فلن تُحرموه، أي: فلن تُحرموا ثوابه، ولهذا عُدي إلى اثنين لا إلى واحد؛ وقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ}[البقرة: ٢٣٥] أي: لا تنووا، ولهذا عُدِّي بنفسه لا بـ «على»؛ وقوله تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى}[الصافات ٨]، أي: لا يُضعون؛ وقولهم: «سَمِعَ الله لمن حَمِدَه» أي: أستجاب، فعُدِّي «يسمع» في الأوّل بـ «إلى» وفي الثاني باللام؛ وإنما أصله أن يتعدى بنفسه مثل: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ}[ق: ٤٢]، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}[البقرة: ٢٢٠] أي يميز، ولهذا عُدي بمن لا بنفسه، وقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}[البقرة: ٢٢٦] أي يمتنعون من وطء نسائهم بالْحَلِف؛ فلهذا عُدّي بمن، ولما خفي التضمين على بعضهم في الآية، ورأى أنه لا يقال «حلف من كذا» بل حلف عليه - قال: «من» متعلّقة بمعنى: للذين، كما تقول:
  ويعتبر المعنى الحقيقي قيداً وهذا هو الذي اعتبره الزمخشري؛ فعلى مذهب السعد يقال ولا تأكلوا أموالهم ضاميها إلى أموالكم وعلى مذهب الزمخشري تقول ولا تضموها إليها أكلين وقيل إن التضمين من الكناية أي: لفظ أريد به لازم معناه فالأقوال خمسة وانظر ما بيان صحة الأخير منها تأمل اهـ تقرير دردير.
  قوله: (مجاوزين إلى غيرهم) أي: في حال كونهما مجاوزين ومنصرفين إلى غير الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أعني الفقراء. قوله: (لا إلى واحد) أي: فنائب الفاعل واحد والمصرح به الثاني. قوله: (في الأول) أي: في الموضع الأول وقوله: وفي الثاني مراده أنه ثان في المادة وإلا فالأول يسمعون والثاني سمع قوله: (وإنما أصله أن يتعدى بنفسه) قال في الكشاف: فإن قلت أي فرق بين سمعت فلاناً يتحدث وسمعت حديثه وبين قولك سمعت إلى حديثه قلت المعدى بنفسه يفيد الإدراك فقط والمعدى بإلى يفيد الإصغاء الإدراك. قوله: (بالحلف) أشار بذلك إلى أن يؤلون مضمن معنى يمتنعون مع معناه الأصلي وهو الحلف. قوله: (بمعنى للذين) أي: لا بقوله يؤلون والأوضح بمتعلق للذين أي: التربص كائن للذين وكائن من نسائهم.