حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

وهي إحدى عشرة قاعدة

صفحة 538 - الجزء 3

  ويكثركم في هذا التدبير؛ وهو أن جعل للناس وللأنعام أزواجاً حتى حصل بينهم التوالد؛ فجعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير؛ فلذا جيء بـ «في» دون الباء؛ ونظيره {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}⁣[البقرة: ١٧٩] وزعم جماعة أن منه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}⁣[البقرة: ١٠٤]، ونحو: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}⁣[النمل: ٥٥]، وإنما هذا من مراعاة المعنى؛ والأول من مراعاة اللفظ.


  أي: يبثكم ويكثركم أيها الناس والأنعام فيه أي في هذا الجعل الذي هو منبع التكثير بالتناسب والتوالد ففي لفظ كم غلب المخاطبون أعني الناس على الغيب، أعني الأنعام، وإلا لقال يذرؤكم وإياهن وغلب فيه أيضاً العقلاء على غيرهم وإلا لقال يذرؤكم وإياكن قال بعض ونعم ما قال لتغليب المخاطبين على الغيب جيء بالكاف لا بالهاء ولتغليب العقلاء جيء بالميم لا بالنون اهـ دماميني. قوله: (وهو أن جعل للناس الخ) أي: وهو جعل الأزواج للناس والأنعام قوله: (ولكم في القصاص حياة) لما كان مشروعية القصاص يترتب عليه الحياة بولغ فيه حتى جعل كالحياة لها فلهذا عبر بفي دون الباء. قوله: (إن منه) أي: من التغليب.

  قوله: (يا أيها الذين آمنوا) أي فالنداء مفيد للخطاب والذين من قبيل الغيبة فغلب الغيبة، وقال آمنوا ولو غلب الخطاب لقال آمنتم قوله: (بل أنتم قوم تجهلون) أي: أنتم هذا من قبيل الخطاب وقوله: قوم من قبيل الغيبة فغلب الخطاب وقال تجهلون. قوله: (وإنما هذا من مراعاة المعنى الأول من مراعاة اللفظ) يعني: أن الآية الثانية من قبيل ما روعي فيه المعنى دون اللفظ، وذلك لأن تجهلون صفة لقوم فمقتضى الظاهر أن يكون الضمير العائد عليه ضميره غيبة إذ هو اسم ظاهر فطريقه الغيبة لكن لما كان القوم المعني به هنا المخاطبون بقوله: أنتم روعي معناه فجعل ضمير خطاب وترك رعاية لفظه فلم يجعل ضميره غيبة وأما الآية الأولى فروعي فيها اللفظ؛ لأن الذين اسم ظاهر وهو هنا المقصود بالنداء والمنادى مخاطب فروعي لفظه دون معناه فقيل آمنوا بطريق الغيبة ولم يقل بآمنتم بطريق الخطاب اهـ دماميني.

  قوله: (وإنما هذا) أي: قوله بل أنتم قوم تجهلون من مراعاة المعنى وذلك لأن تجهلون وصف لقوم الذي هو من قبيل الغيبة لكن لما كان في المعنى عبارة عن المخاطبين غلب جانب الخطاب على جانب الغيبة حيث قيل تجهلون بالتاء قال الشمني لا يخفى أن مراعاة المعنى لا تدفع التغليب إذ لا منافاة بين التغليب ومراعاة جانب المعنى على اللفظ، بل فيه تحقيق لتغليب المعنى قوله: (والأول من مراعاة اللفظ) المراد بالأول يا أيها الذين آمنوا، أي: إن الذين اللفظ في من قبيل الغيبة، وإن كان في المعنى هو المنادى فهو مخاطب وروعي اللفظ، فقيل آمنوا ولم يراع المعنى بحيث يقال آمنتم؛ لأن من حق العائد على الموصول أن يكون بلفظ الغيبة والتغليب وإن كان المعنى على اللفظ لا يكون اللفظ على المعنى.