حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

القاعدة الخامسة

صفحة 540 - الجزء 3

  «إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل».

  ومنه في غيره {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٣٥ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ٣٦}⁣[الذاريات: ٣٥ - ٣٦]، أي: فأردنا الإخراج {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}⁣[الأعراف: ١١] لأن «ثم» للترتيب؛ ولا يمكن هنا مع الحمل على الظاهر؛ فإذا حمل «خلقنا» و «صوّرنا» على إرادة الخلق والتصوير لم يشكل.

  وقيل: هما على حذفِ مُضَافين؛ أي: خلقنا أباكم ثم صورنا أباكم؛ ومثله {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}⁣[الأعراف: ٤] أي: أردنا إهلاكها، {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}⁣[النجم: ٨] أي: أراد الدنو من محمد عليه الصلاة والسلام، فتدلى فتعلق في الهواء، وهذا أولى من قول من أدعى القلب في هاتين الآيتين وأن التقدير: وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها، ثم تدلى فدنى، وقال [من المنسرح]:


  ذلك. قوله: (إذا أتى أحدكم الجمعة) أي: إذا أراد أحدكم الإتيان إليها. قوله: (ومنه) أي: من التعبير بالفعل عن إرادته وقوله: في غيره أي: في غير الشرط.

  قوله: (ولقد خلقناكم) الخطاب للموجودين حين نزول الآية وظاهر الآية أن القول للملائكة اسجدوا بعد وجود الصحابة وليس كذلك فيؤول بحمل الفعل على إرادته. قوله: (وقيل هما) أي: خلقناكم وصورناكم وإن ثم للترتيب الذكري لا الرتبي ففي هذه الآية محامل ثلاثة قوله: (أي خلقنا أباكم) أي: آدم أي خلقناه حيناً غير مصور، ثم صورناه نزل خلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويره قوله: (أردنا إهلاكها) أي: فظاهر الآية أن مجيء البأس بعد الإهلاك مع أن البأس يحصل قبل الإهلاك.

  قوله: (أراد الدنو الخ) أي: أن جبريل تمثل للنبي على صورته الحقيقية في الأفق أي: أفق السماء عند مطلع الشمس فرآه قد سد الأفق إلى المغرب فخر مغشياً عليه، وكان قد سأله أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها قواعده بحراء، ثم أنه انتقل إلى صفته التي ينزل عليه فيها، وأراد الدنو من محمد فتدلى أي تعلق في الهواء إلى أن وصل إلى النبي وقرب منه فكان منه قدر قوسين أو أدنى من ذلك، حتى أفاق النبي وسكن روعه فأوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحاه جبريل إلى النبي .

  قوله: (فتعلق في الهواء) تفسير لتدلى قوله: (وهذا أولى الخ) أي: لأن القلب خلاف الأصل. قوله: (في هاتين الآيتين) أي: وأن المعنى، ثم تدلى النبي محمد من السماء فدنا من بيت المقدس وحمله على القلب أن المتبادر أن الشخص يتدلى من العلو إلى السفل، ثم يدنو فلذا قال بالقلب، وأما المعنى الأول، فليس المعنى عليه التدلي من السماء كما علمت.