· (إذ) على أربعة أوجه
  يقول في ذلك: إنه ظرف لـ «اذكر» محذوفاً، وهذا وهم فاحش، لاقتضائه حينئذ الأمر بالذكر في ذلك الوقت، مع أن الأمر للاستقبال، وذلك الوقت قد مضى قبل تعلق الخطاب بالمكلّفين منّا، وإنما المراد ذكر الوقت نفسه لا الذكر فيه.
  والثالث: أن تكون بدلاً من المفعول، نحو: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ}[مريم: ١٦]، فـ «إذ»: بدل اشتمال من «مريم» على حد البدل في: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}[البقرة: ٢١٧].
  وقوله تعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ}[المائدة: ٢٠] يحتمل كونَ «إذ» فيه ظرفاً للنعمة وكونها بدلاً منها.
  والرابع: أن يكون مضافاً إليها اسم زمان صالح للاستغناء عنه، نحو: «يَوْمَئِذٍ»، و «حينئذ»، أو غير صالح له، نحو قوله تعالى: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}[آل عمران: ٨].
  فرقنا بكم البحر أي بآبائكم لأن الخطاب لبني إسرائيل الموجودين في زمن نبينا. قوله: (وهذا وهم) أي: غلط فاحش قوله: (حينئذ) أي: حين جعل ظرفاً. قوله: (وذلك الوقت قد مضى) لأنه إما في زمن آدم أو موسى وكيف يكون الذكر المأمور به في المستقبل واقعاً في الزمان الماضي. قوله: (بالمكلفين) كأنه إشارة إلى أن المعنى اذكر يا من يتأتى منه الذكر. قوله: (لا الذكر فيه) أي: فيكون إذ حينئذ مفعولاً به لا مفعولاً فيه. قوله: (بدل اشتمال) أي والرابط الضمير إليها المستتر في الفعل أي واذكر وقت انتباذ مريم. قوله: (وقوله تعالى) مبتدأ وقوله يحتمل الخ خبر. قوله: (ظرفاً للنعمة) أي: فيكون من الاستعمال الأول. قوله: (وكونها بدلاً منها) أي: من النعمة أي بدل كل فيكون من الاستعمال الثالث الذي نحن فيه قوله: (صالح للاستغناء عنه) اعلم أن إضافة إذ إلى أسماء الزمان غير قبل وبعد إضافة بيانية أي من إضافة الأعم للأخص وذلك أن إذ تضاف إلى جملة محذوفة فإذا قلت جاءني زيد وأكرمته حينئذ أي حين إذ جاءني فالثاني مخصوص بالإضافة إلى المجيء والأول عار من ذلك فهو أعم من الثاني ومن المعلوم أن الأخص يغني عن الأعم لأن فيه ما في الأعم وزيادة وكون هذا عاماً وهذا خاصاً بالنظر إلى إذ وحين في حد ذاتهما، وأما بحسب المراد منهما فالحين هو نفس إذ فهما بحسب المراد منهما من إضافة المؤكد للمؤكد فالمعنى أكرمته حيناً هو حين مجيئه، وأما من حيث ذاتهما فتلاحظ من إضافة الأعم إلى الأخص أي أننا أضفنا العام إلى إذ بعد تخصيصه، وقولنا غير قبل وبعد احتراز منهما فإن الإضافة فيهما حقيقة اهـ تقرير دردير.
  قوله: (نحو يومئذ وحينئذ) تقول أكرمتني فأثنيت عليك يومئذ وحينئذ فاليوم والحين صالحان للاستغناء عنهما لجواز أن تقول فأثنيت عليك إذ أكرمتني والمعنى واحد. قوله: (بعد إذ هديتنا) أي: لا تزغ قلوبنا بعذر من هديتنا فالظرف المضاف هنا وهو بعد لا يصلح