· (إذ) على أربعة أوجه
  وزعم الجمهور أن «إذ» لا تقع إلا ظرفاً أو مضافاً إليها، وأنها في نحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا}[الأعراف: ٨٦] ظرف لمفعول محذوف، أي: واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم قليلاً، وفي نحو: {إِذِ انْتَبَذَتْ}[مريم: ١٦] ظرف لمضاف إلى مفعول محذوف، أي: وأذكر قصة مريم، ويؤيد هذا القولَ التَّصْرِيحُ بالمفعول في: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً}[آل عمران: ١٠٣].
  ومن الغريب أن الزمخشري قال في قراءة بعضهم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا}[آل عمران: ١٦٤]: إنه يجوز أن يكون التقدير منه إذ بعث، وأن تكون «إذ» في محل رفع كـ «إذا» في قولك: أخْطَبُ ما يَكُون الأميرُ إذا كان قائماً، أي لَمِنْ مَنْ الله على المؤمنين وَقْتُ بعثه انتهى؛ فمقتضى هذا الوجه أن «إذ» مبتدأ، ولا
  للاستغناء عنه فيحذف لعدم ما يدل عليه اهـ تقرير دردير.
  قوله: (وزعم الجمهور الخ) حاصله أنهم اتفقوا على أن إذ ظرف متصرف ثم اختلفوا فقيل تخرج عن الظرفية إلى كونها بدلاً ومفعولاً به ومضافاً إليها والجمهور قالوا لا تخرج إلا لكونها مضافاً إليها قوله: (لا تقع إلا ظرفاً) أي: وهو الاستعمال الأول وقوله: أو مضافاً إليها وهو الاستعمال الرابع. قوله: (ظرف لمفعول محذوف) أي: وليست مفعولاً به كما ادعاه المخالف قوله: (ظرف لمضاف) أي: وهو قصة وقوله المفعول أي ما هو مفعول بعد الحذف وهو مريم، وقوله: محذوف نعت لمضاف. قوله: (واذكر قصة مريم) أي: والظرف يتعلق بالقصة والحديث والشأن قوله: (ويؤيد هذا القول الخ) أي: فيحمل هذا المحل الذي لم يصرح فيه بالمفعول على ما صرح فيه أجزاء للمحال على سنن واحد وفيه أن هذا لا يوافق إلا الآية الأولى اهـ تقرير دردير قوله: (ومن الغريب الخ) قيل لا غرابة لأن العلماء اتفقوا على أنها ظرف متصرف وقد نخرج إلى غيره كالإضافة أو إلى المفعولية أو البدلية فلا مانع من جعلها مبتدأ ولا يحتاج لسماع هذا النوع بخصوصه من العرب. قوله: (أنه يجوز) بفتح الهمزة لا غير لأن هذا اللفظ بعينه لم يقع في كلام الزمخشري حتى يحكى قوله: (منه الخ) أي: لمن من الله على المؤمنين منه إذ بعث فقوله لمن من الله خبر مقدم وقوله منه مبتدأ مؤخر، وإذ بعث ظرف لمبتدأ مؤخر المحذوف دل عليه الخبر المقدم منصوب على الظرفية قوله: (وأن تكون إذ في محل رفع) أي: مبتدأ ولمن من الله خبره وعلى هذا فلا حذف ويكون جعل الوقت من المن مبالغة. قوله: (كإذا) أي: كما أن إذا الموضوعة للمستقبل في محل رفع على أنها خبر.
  قوله: (أخطب) مبتدأ وما مصدرية ويكون صلة وقوله إذا كان خبر أي أخطب أحوال الأمير كائن وقت قيامه فإذا في محل رفع خبر أخطب أو إنه ظرف للخبر فهو تنظير في احتمال الرفع، وإن كان الرفع على الخبرية قوله: (انتهى) أي: كلامه بالمعنى. قوله: (فمقتضى هذا) أي: الوجه الأخير الذي يجعلها في محل رفع.