حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الرابع عشر: التوكيد

صفحة 301 - الجزء 1

  التربص؛ لإشعارِهِ بما يستنكِفْنَ منه طموح أنفسهنَّ إلى الرجال.

  ***

  تنبيه - مذهب البصريين أن أحْرُفَ الجرِّ لا ينوبُ بعضها عن بعض بقياس، كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك، وما أوهم ذلك فهو عندهم إمّا مُؤَوَّلٌ تأويلاً يقبله اللفظ، كما قيل في: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}⁣[طه: ٧١]: إن «في» ليست بمعنى «على»، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشيء؛ وإما على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف، كما ضمن بعضهم «شربن» في قوله [من الطويل]:

  شرين بماء البحر

  معنى رَوِينَ، و «أحْسَنَ» في {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي}⁣[يوسف: ١٠٠] معنى: «لطف»؛


  إلى الميل إلى الرجال. قوله: (لإشعاره) أي: إشعار الأنفس وقوله بما يستنكفن أي يستكبرن عنه من التربص من أجل طموح أي ميل أنفسهن للرجال فأمرن أن يغلبن أنفسهن على الطموح ويجبرنها على التربص.

  قوله: (لإشعاره) أي: قوله بأنفسهن بما يستنكفن أي بما يرتفعن ويتنزهن عنه، ثم بين ما يقوله من طموح بالحاء المهملة وهو بيان لما أي أن قوله بأنفسهن يشعر بأن ميلهن إلى الرجال يستنكفن ويستكبرن عنه وأنت خبير بأن أنفسهن لا يشعر بالميل المستكبر عنه، وإنما أنفسهن يشعر بزيادة الحث على التربص والتباعد عن الميل إلى الرجال. قوله: (مذهب البصريين الخ) قيل: إن مذهب البصريين أن كل حرف له معنى حقيقي واحد فقط ولا يأتي مثلاً حرف لمعنى حرف آخر، وقيل: إن مذهب البصريين أن لها معاني عديدة لكن تلك المعاني لم يأت لها حرف آخر من حروف الجر مثلاً الباء موضوعة للإلصاق والسببية والتعدية لا للمعاني المشهورة لغيرها الظاهر القول الثاني. قوله: (وما أوهم ذلك) أي: إنابة حرف جر عن حرف آخر لا بقيد القياس والحاصل أن الإنابة ليست قياسية وما ورد من الإنابة فتؤوله إن أمكن تأويله بأن يجعل من قبيل الاستعارة، فإن لم يمكن جعل من باب التضمين إن أمكن وإن حكم بشذوذه ومخالفته للقياس. قوله: (ليست بمعنى على) أي: كما يقوله جماعة. قوله: (ولكن شبه الخ) ظاهره أنه استعارة بالكناية فشبه المطلوب بالحال في ظرف بجامع التمكن، ثم طوى ذكر المشبه به وذكر في تخييل وهذا عند السكاكي والمشهور أنه استعارة تبعية شبه الاستعلاء بالطرفية الكلية فسرى التشبيه الكلي للجزئي. قوله: (بأن في الشيء) أي: فأتى بفي على طريقة الاستعارة التبعية اهـ دماميني. قوله: (وإما على تضمين) أي: وإما محمول على الخ. قوله: (وإما على تضمين الفعل) أي: وهو أصلبنكم معنى فعل كأجعلنكم قوله: (معنى روين) أي: فعداه بالباء كما يتعدى روى به قوله: (معنى لطف) أي: فجيء بالباء كما تجيء في لطف بني.