مسألة - أجرى الكوفيون «ثم» مجرى الفاء والواو
  قال: بإعطاء «ثم» حكم واو الجمع؛ فتوهم تلميذه الإمام أبو زكريا النووي، رحمه الله، أن المراد إعطاؤها حُكْمَها في إفادة معنى الجمع، فقال: لا يجوز النصب، لأنه يقضى أن المنهي عنه الجمع بينهما، دون إفراد أحدهما؛ وهذا لم يَقُله أحد، بل البول منهي عنه، سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا، انتهى.
  وإنما أراد ابن مالك إعطاءها حكمها في النصب، لا في المعية أيضاً، ثُمَّ ما أورده إنما جاءَ من قِبَلِ المفهوم لا المنطوق، وقد قام دليل آخر عَلَى عدم إرادته؛ ونظيره إجازة الزجاج والزمخشري في: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ}[البقرة: ٤٢] كون {تَكْتُمُوا} مجزوماً، وكونه منصوباً مع أن النصب معناه النهي عن الجميع.
  هو على المعرب باعتبار إعرابه المقدر قوله: (قال أي) أي: ابن مالك. قوله: (فقال) أي: في شرحه لمسلم قوله: (الجمع بينهما) أي: بين البول في الماء الدائم والاغتسال منه. قوله: (بل البول) أي: في الماء الدائم. قوله: (الاغتسال فيه) أي: بأن ينغمس فيه وقوله ومنه أي بأن كان يغترف منه. قوله: (وإنما أراد الخ) رد لما فهمه النووي من قول ابن مالك بإعطاء ثم حكم واو الجمع الذي بنى عليه امتناع النصب. قوله: (لا في المعية) ظاهره لا حكمها في المعية وفيه أن المعية ليست حكماً من أحكام ليروا التي ينتصب المضارع بعدها، وإنما المعية مدلولها التي وضعت هي بإزائه وحكمها انتصاب المضارع بعدها بإضمار أن وكلام المصنف يشعر بأن المعية من أحكام الواو مع أنه ليس كذلك فالأولى حذف قوله لا في المعية قوله: (ثم ما أورده) أي: النووي من أنه يلزم أن لا يكون إفراد أحدهما منهياً عنه وهذا جواب بالتسليم وحاصله سلمنا أن ابن مالك يقول بإعطاء ثم حكم الواو من المعية لكن نقول لا يلزم ما قاله من اقتضاء عدم النهي عند إفراد أحدهما؛ لأن ذلك الإلزام إنما هو من المفهوم والمفهوم لا يعمل بدلالته إلا إذا لم يوجد دليل على خلاف ذلك المفهوم، وهنا دليل على تعطيل هذا المفهوم وإنما كان المفهوم لا يعتبر مع دليل يدل على خلافه لضعفه. قوله: (من قبل المفهوم) هو ما دل عليه اللفظ ليس في حمل النطق بأن يكون حكماً لغير المذكور. قوله: (لا المنطوق) هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق. قوله: (قام دليل آخر على عدم إرادته) أي: إرادة المفهوم الذي مقتضاء عدم النهي عن البول وحده في ذلك الماء الطاهر وذلك الدليل هو الإجماع القائم على النهي عن الفساد فإذا كان ذلك الماء الطاهر ينجس بذلك البول كان منهياً عنه فقط؛ لأنه مؤد إلى فساده والله لا يحب الفساد. قوله: (مجزوماً) أي: عطفاً على تلبسوا فهو داخل تحت حكم النهي بمعنى ولا تكتموا. قوله: (مع أن النصب معناه النهي عن الجمع) أي: والمعنى ولا تجمعوا لبس الحق بالباطل وكتمان الحق والمراد بلبسهم الحق بالباطل كتبهم في التوراة ما ليس منها وبكتمانهم الحق، قولهم لا نجد في التوراة صفة محمد أو حكم كذا أو محو كذا ويكتبونه على خلاف ما هو عليه. قوله: (مع أن النصب معناه النهي عن الجمع) أي: