حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الثاني من أوجه «حتى»: أن تكون عاطفة بمنزلة الواو

صفحة 346 - الجزء 1

  أحدها: أن لمعطوف «حتى» ثلاثة شروط:

  أحدها أن يكون ظاهراً لا مضمراً كما أن ذلك شرط مجرورها، ذكره ابن هشام الخضراوي، ولم أقف عليه لغيره.

  والثاني أن يكون إما بَعْضاً من جمع، قبلها كـ «قَدِمَ الحاج حتَّى الْمُشَاة»، أو جزءاً من كل، نحو: «أَكَلْتُ السَّمَكَةَ حتَّى رأسها»، أو كجزء، نحو: «أَعْجَبَتْنِي الْجَارِيَةُ حتَّى حَدِيثُها»، ويمتنع أن تقول: «حتَّى وَلَدُهَا»؛ والذي يضبط لك ذلك أنها تدخل حيث يصح دخول الاستثناء، وتمنع حيث يمتنع؛ ولهذا لا يجوز: «ضربتُ الرجلَيْنِ أفضلهما» وإنما جاز:


  على الترتيب الاعتباري في الذهن، وأما الأول فعلى الترتيب الخارجي فالخلف لفظي فتحمل إنها لا تفيد ترتيباً في الخارج بل قد يكون تعلق الفعل بما بعدها أسبق من تعلقه بما قبلها، وقد يكون تعلقه بما بعدها في حال تعلقه بما قبلها فالأول نحو مات كل أب لي حتى آدم والثاني نحو مات الناس حتى الأنبياء وتفيد الترتيب في الذهن والملاحظة من حيث الانتقال من الأضعف للأقوى أو من الأقوى للأضعف اهـ تقرير شيخنا دردير.

  قوله: (ثلاثة شروط) أي: بخلاف الواو فلا يشترط في عطفها الشروط. قوله: (أن يكون ظاهراً لا مضمراً) انظر هذا مع ما مر في العلة الثانية من علل منع جرها للمضمر فإن هذا مخالف له قوله: (أما بعضاً) أي جزئياً ومراده بالجمع الكلي، وإن لم يكن جمعاً فمراده ما أفهم جمعاً، وإن كان مفرداً قوله: (كقدم الحاج حتى المشاة) أي: حيث لا يراد بالحاج المجموع من حيث هو مجموع أو إلا كان المشاة جزءاً لا جزئياً. قوله: (حتى حديثها) أي: فالحديث كالجزء لأنه يعتد به في جمالها فله دخل في الإعجاب، وأما ولدها فلا دخل له. قوله: (والذي يضبط لك ذلك) أي: صحة العطف من عدمه وقوله إنها أي حتى العاطفة. قوله: (دخول الاستثناء) أي: المتصل وهو ظاهر في أكلت السمكة حتى رأسها وفي قدم الحاج حتى المشاة فتقول إلا رأسها وإلا المشاة، وأما في أعجبتني الجارية فهو متصل تنزيلاً ولا يصح أعجبتني الجارية إلا ولدها على أنه متصل بل هو منقطع. قوله: (ولهذا) أي: الضابط لا يجوز الخ.

  قوله (حتى أفضلهما) أي: لأنه لا يصح الاستثناء فلا تقول ضربت الرجلين إلا أفضلهما لأن شرط الاستثناء المتصل أن يكون ما قبل إلا شاملاً لما بعدها ظهوراً لا نصاً فلا يجوز ضربت الرجلين إلا أحدهما لأن الرجلين شامل للأحد للأفضل نصاً، وأما لو قلت ضربت الرجال إلا أفضلهم جاز لما عملت اهـ تقرير دردير، لكن يرد على هذا الاستثناء من أسماء العدد تحوله على اثنان إلا واحداً وله على عشرة إلا خمسة تأمل. قوله: (وإنما جاز الخ) جواب عما يقال إنه يلزم على هذا الضابط امتناع العطف في قول الشاعر:

  ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد. حتى نعله ألقاها