حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (حتى) حرف يأتي لأحد ثلاثة معان

صفحة 347 - الجزء 1

  · حتى نَعْلَه ألقاها ·

  لأن إلقاء الصحيفة والزاد في معنى ألقى ما يثقله.

  والثالث أن يكون غاية لما قبلها إما في زيادة أو نقص، فالأول، نحو: «مات الناس حتى الأنبياء»، والثاني نحو: «زارك الناس حتى الحجَّامُونَ»، وقد اجتمعا في قوله [من الطويل]:

  ١٩٢ - قَهَرْنَاكُمْ، حَتَّى الْكُمَاةَ، فَأَنْتُمُ ... تَهابُونَنَا، حَتَّى بَنِينَا الأَصَاغِرَا

  الفرق الثاني: أنها لا تعطف الجمل، وذلك لأن شرط معطوفها أن يكون جزءاً مما قبلها أو كجزء منه كما قدمناه، ولا يتأتى ذلك إلا في المفردات. هذا هو الصحيح، وزعم ابن السيد في قول امرئ القيس [من الطويل]:


  لأن الاستثناء المتصل فيه ممنوع لعدم شمول الصحيفة والزاد للنعل مع إنهم قد أجازوا العطف فيه فدل هذا على عدم اعتبار الضابط. قوله: (حتى نعله ألقاها) أي: وباعتبار هذا التأويل يصح هذا الاستثناء وحينئذ فلا يختل الضابط. قوله: (أن يكون) أي: معطوفها وقوله إما في زيادة أي في الشرف. قوله: (مات الناس حتى الأنبياء) أي فهم أرفع الناس منزلة وأقواهم شرفاً. قوله: (زارك الناس حتى الحجامون) أي: وهم في غاية النقص والخسة وكفى بنقص صناعتهم قول النبي كسب الحجام خبيث. قوله: (الكماة) جمع كام وهو الشجاع مثل قاض وقضاة وهو غاية في القوة وقوله حتى بنينا الأصاغرا غاية في الضعف قوله: (تعطف الجمل) أي: بخلاف الواو فإنها تعطف الجمل والمفردات. قوله: (كما قدمناه) أي: أو بعضاً أو كبعض ولو عبر به كان أولى. قوله: (ولا يتأتى لك إلا في المفردات) لقائل أن يقول لم لا يجوز في بعض الجمل أن يكون مضمون إحداها بعضاً من مضمون أخرى، كما تقول أكرمت زيداً بما أقدر عليه حتى أقمت نفسي خادماً له فإقامة نفسه خادماً له بعض من الإكرام بما يقدر عليه، وكذا قولك بخل علي زيد بكل شيء حتى منعني دائقاً فمنع الدائق بعض من البخل بكل شيء وقد نص علماء المعاني في باب الفصل والوصل على أن الجملة الثانية في قوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ ١٣٢ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ١٣٣}⁣[الشعراء: ١٣٣] الخ. بدل بعض من الأولى.


١٩٢ - التخريج: البيت بلا نسبة في (الجنى الداني ص ٥٤٩؛ والدرر ٦/ ١٣٩؛ وشرح الأشموني ٢/ ٤٠١؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٣٧٣؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦١٥؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٣٦).

اللغة: قهرناكم: أذللناكم بعدما غلبناكم. الكماة: الفرسان المدجّجون بالسلاح. تهابوننا: تخافوننا. الأصاغر: الصغار.

المعنى: لقد غلبناكم وأذللناكم جميعاً، وكسرنا شوكة فرسانكم الأشداء، لذا فأنتم تخافوننا وصرتم تخافون حتى أولادنا الصغار.