· السين المفردة
  الضيق - وهو الحال - إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال. وأوضح من عبارتهم قول الزمخشري وغيره «حرف استقبال». وزعم بعضهم أنها قد تأتي للاستمرار لا للاستقبال، ذكر ذلك في قوله تعالى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ}[النساء: ٩١] الآية، واستدل عليه بقوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ}[البقرة: ١٤٢] مدعياً أن ذلك إنما نزل بعد قولهم {مَا وَلَّاهُمْ}[البقرة: ١٤٢] قال: فجاءت السين إعلاماً بالاستمرار لا بالاستقبال، انتهى.
  وهذا الذي قاله لا يعرفه النحويون وما استند إليه من أنها نزلت بعد قولهم: (وما ولاهم) غيرُ مُوافق عليه، قال الزمخشري: فإن قلت: أي فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه؟
  قلت فائدته أن المفاجأة للمكروه أشد والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع، انتهى.
  للتوسيع قوله: (وأوضح) أي: لأن فيها تصريحاً بالمراد وهو الاستقبال، وأما العبارة الأولى فيؤخذ المراد باللازم. قوله: (للاستمرار) بمعنى أنها تجعل مستمراً ومتجدداً وقتاً بعد وقت، وإن كان قد مضى فإذا كان زيداً أكرمك وقيل لك زيد سيكرمك فمعناه أن الإكرام الذي سبق لك مستمر ولا ينقطع في المستقبل. قوله: (ستجدون آخرين) أتى بالسين إشارة إلى أن لعبهم بالمؤمنين هذا أمر مستمر وإن كان مضى، وذلك أن رجالاً من الكفار كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا لأجل أن لا يقاتلوهم، وإذا أتوا لقومهم كفروا فأتى المولى بالسين إشارة إلى أن حالتهم هذه مستمرة ولم يتركوها، وإن كان ذلك وقع فيما مضى وقوله تعالى: {أَنْ يَأْمَنُوكُمْ}[النساء: ٩١] أي بالإسلام وقوله: {وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ}[النساء: ٩١] أي بالكفر قوله: (الآية) أتى بذلك لأن المعنى إنما يتم ببقيتها كما علمت. قوله: (واستدل) أي: هذا الزاعم على مجيء السين للاستمرار في بعض الأحيان. قوله: (سيقول السفهاء الخ) أي: أن السين أفادت أن مقولهم مستمر لا ينقطع، وإن كان قد مضى. قوله: (قال) أي: ذلك الزاعم. قوله: (إعلاماً بالاستمرار) أي: استمرار مقولهم أي تجدده وقتاً بعد وقت قوله: (انتهى) أي: كلام الزاعم. قوله: (وهذا الذي قاله) أي من أن السين قد تأتي للاستمرار لا للاستقبال. قوله: (وما استند إليه) أي: في إثبات زعمه بهذه الآية. قوله: (قال الزمخشري) دليل على قوله غير موافق عليه فإن قوله قبل وقوعه صريح في أن الآية نزلت قبل قولهم ما ولاهم لا بعده اهـ: تقرير دردير قوله: (أن المفاجأة للمكروه) أي: وهو قوله ما ولاهم فإنه مكروه فإذا أتي بغتة قبل أن يخبرنا المولى به حصل للصحابة كرب شديد واختلال للنفس فإذا نزلت الآية وعلمنا بذلك اطمأنت النفس. وبعدت عن الاضطراب أي الاختلال قوله (أبعد عن الاضطراب) أي: لما يتقدمه من توطين النفس.