حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

· (قد) على وجهين

صفحة 475 - الجزء 1

  أي: ما هم عليه هو أقل معلوماته سبحانه. وزعم بعضهم أنها في هذه الأمثلة ونحوها للتحقيق، وأن التقليل في المثالين الأولين لم يستفد من «قد»، بل من قولك: البخيل يجود، والكذوب يصدق، فإنه إن لم يُحْمَل على أن صدور ذلك منهما قليل كان فاسداً، إذ آخر الكلام يناقض أوَّله.

  الرابع: التكثير قاله سيبويه في قول الهذلي [من البسيط]:

  ٢٨٩ - قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرًا أَنامِلُهُ ... [كأن أَثْوَابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَادِ]


  هم عليه أقل شيء تعلق به العلم. قوله: (هو أقل معلوماته) الأوجه ما يأتي أنها في هذه الآية للتحقيق؛ لأن كون علم الله بذلك أقل شيء ضروري. قوله: (للتحقيق) أي: تحقيق القلة وأما في الآية فالتحقيق المحض. قوله: (بل من قولك البخيل يجود) أي: لأن البخيل هو كثير البخل والكذوب كثير الكذب ولو كان قوله: يصدق معناه التكثير لحصل التنافي بين يصدق الدال على كثرة الصدقة وبين الكذوب الدال على كثرة الكذب، ولو كان معنى يجود كثيراً لحصل التنافي بين يجود وبين البخيل فالدافع للتنافي هو حمل يصدق ويجود على التقليل وقد لتحقيق التقليل؛ لأنه ربما يكون قلة الصدق والجود محمولة على الشك. قوله: (قاله سيبويه) ما ذكره المصنف عن سيبويه هو تابع فيه لأبي حيان في فهمه له من كلام سيبويه معارضاً لفهم ابن مالك له وسبق أبا حيان لذلك الزمخشري ونص كلام سيبويه تكون قد بمزلة ربما قال الهذلي قد أترك القرن البيت كأنه قال ربما أتركه اهـ كلامه قال ابن مالك قوله: بمنزلة ربما أي: في التقليل والصرف إلى المعنى، فاعترضه أبو حيان قائلاً بل مراده بمنزلتها في التكثير ويدل إنشاده البيت؛ لأن الإنسان إنما يفتخر بما يقع منه كثيراً وأجيب بأن ترك القرن كذلك يندر وقوعه ويفتخر بإيقاعه فالحصر في كلام أبي حيان ممنوع فصح ما قاله ابن مالك من ان قد في البيت للتقليل وأن مراد سيبويه تشبيه قد برب في إفادة التقليل والصرف للماضي.

  قوله: (القرن) أي: المقارن في الحرف، فالقرن هو المكافئ في الشجاعة وقوله:


٢٨٩ - التخريج: البيت لعبيد بن الأبرص في (ديوانه ص ٦٤؛ وخزانة الأدب ١١/ ٢٥٣، ٢٥٧، ٢٦٠؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٣٦٨؛ ولعبيد بن الأبرص أو للهذلي في الدرر ٥/ ١٢٨؛ وشرح شواهد المغني ص ٤٩٤؛ وللهذلي بدون تحديد في الأزهية ص ٢١٢؛ والجنى الداني ص ٢٥٩؛ وشرح المفصل ٨/ ١٤٧؛ والكتاب ٤/ ٢٢٤؛ ولسان العرب ٣/ ٣٤٧ (قدد)؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٧٦؛ ورصف المباني ص ٣٩٣؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢٠؛ ولسان العرب ١٣/ ١٧ (أسن)؛ والمقتضب ١/ ٤٣؛ وهمع الهوامع ٢/ ٧٣).

اللغة: القرن: المماثل في الشجاعة والعلم وغيرهما الأنامل: رؤوس الأصابع. مجت: رميت؛ مجه: رماه من فمه. الفرصاد: صبغ أحمر.

المعنى: كثيراً ما تركت أمثالي في الشجاعة والقتال على أرض المعركة موتى، أثوابهم مصبوغة بالدم كما لو أنها صبغت بفرصاد.