حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

قوله: (وجب مراعاة معناها)

صفحة 535 - الجزء 1

  وكل مصيباتٍ تُصِيبُ فإنَّها

  وعلى هذا فالبيت مما نحن فيه.

  وهذا الذي ذكرناه - من وجوبِ مراعاة المعنى مع النكرة - نَصَّ عليه ابن مالك، ورده أبو حيان بقول عنترة [من الكامل]:

  ٣٢٦ - جَادَتْ عَلَيْهِ كلَّ عِيْنِ ثَرَّةٍ ... فتَركْنَ كلَّ حَدِيقَةِ كالدِّرْهَمِ

  فقال: «تَرَكْنَ» ولم يقل: «تركت»؛ فدلّ على جواز «كل رَجُلٍ قائم، وقائمون». والذي يظهر لي خلافُ قولهما، وأن المضافة إلى المفرد إن أريد نسبة الحكم إلى كل واحد وجب الإفراد، نحو: «كلُّ رَجُلٍ يُشْبِعُهُ رَغِيفٌ»، أو إلى المجموع واجب الجمع كبيت عنترة؛ فإن المراد أن كل فرد من الأَعْيُنِ جاد، وأن مجموع الأعين


  أنت فيه. قوله: (وعلى هذا) في نسخة وعلى هذه الرواية أي وهي الإضافة لنكرة، وأما على الأولى فمصيبات معرفة لإضافتها لمعرفة فكان المناسب أن يقدم الرواية الثانية لأنها محل الشاهد إلا أن يقال قدم الأولى لشهرتها بينهم قوله (من وجوب مراعاة المعنى) أي: من إفراد وغيره. قوله: (جادت عليه) أي: على ذلك الميت المذكور قبله والمراد بالعين السحاب والمراد بالثرة الكثيرة الماء، وقيل: السحابة الثرة هي التي تأتي من جهة العراق. قوله: (كل عين) فاعل جادت أي جادت على الميت كل مطر وقوله حديقة أي بستان، وقوله كالدرهم في تدوير الماء حولها أي أن كل حديقة صارت بسبب استدارتها بالماء وبياض مائها شبيهة بالدرهم.

  قوله: (كل عين) أضيفت كل هنا لمفرد منكر مؤنث فمقتضى ما قاله ابن مالك أن يقول فتركت أي كل عين مع أنه قال فتركن فحينئذ لا يجب مراعاة معنى كل بحسب ما أضيفت له بل يجوز مراعاة المعنى في نفس الأمر. قوله: (قائم) أي: نظراً لمعنى كل بحسب الإضافة وقوله قائمون نظراً لمراعاة المعنى في نفس الأمر كالبيت وهو قوله تركن. قوله: (والذي يظهر الخ) حاصله إنها إن أضيفت لمثنى أو جمع فالحكم ما قاله ابن مالك، وإن أضيفت لمفرد إن أريد الخ وعن المثنى والجمع احترز بقوله إلى المفرد. قوله: (نسبه الحكم) أي: معه أي مع المفرد. قوله: (كل رجل الخ) أي: كل فرد وقوله أو إلى


٣٢٦ - التخريج: البيت لعنترة في (ديوانه ص ١٩٦؛ وجمهرة اللغة ص ٨٢، ٩٧؛ والحيوان ٣/ ٣١٢؛ والدرر ٥/ ١٣٦؛ وسرّ صناعة الإعراب ١/ ١٨١؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٤٨٠، ٢/ ٥٤١؛ ولسان العرب ٤/ ١٠١، (ثرر)، ١٨٢ (حرر)، ١٠/ ٣٩ (حدق)؛ والمقاصد النحوية ٣/ ٣٨٠؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٢٥؛ وشرح الأشموني ٢/ ٣١٠؛ وهمع الهوامع ٢/ ٧٤).

اللغة: جادت عليه: هطلت بشدّة. العين السحابة الممطرة. الثرة: كثيرة الماء.

المعنى هطلت عليه السحب أمطاراً غزيرة، فنبتت الحشائش وصارت الرياض كالدراهم تلألو وضياء.