السابع: توكيد النفي
  للفعل، ونفي القصد أبلغ من نفيه، ولهذا كان قوله [من الكامل]:
  ٣٤٦ - يا عَاذِلاتِي لا تُرِدْنَ مَلاَمَتِي ... إِنَّ الْعَوَاذِلَ لَسْنَ لِي بِأَمِيرِ
  أبْلَغَ من «لا تَلُمْنَنِي» لأنه نهي عن السبب، وعلى هذا فهي عندهم حرف جر متعلق بخبر «كان» المحذوف، والنصب بـ «أن» مضمرة وجوباً.
  وزعم كثير من الناس في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ٤٦}[إبراهيم: ٤٦]، في قراءة غير الكسائي بكسر اللام الأولى وفتح الثانية، أنها لام الجحود.
  قوله: (ونفي القصد الخ) في نسخة ونفي قصد الفعل أبلغ وقد يقال أن التوكيد إنما جاء كما من انصباب النفي على القصد الذي هو السبب لا من اللام كما هو المدعى، وأجيب بأن اللام لما كانت تالية للقصد من حيث أن التعلق به فكأنها المفيدة للتوكيد. قوله: (يا عاذلاتي) العذل الملامة. قوله: (لسن لي بأمير) الأمير الملك وأخبر به عن الجمع إما لكونه فعيلاً يستوي فيه الواحد وغيره، قال تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ٤}[التحريم: ٤] وإنه صفة لمفرد لفظاً جمع معنى محذوف أي بفريق أمير فلاحظ في الإخبار به معناه وفي وصفه لفظه. قوله: (أبلغ من لا تلمنني) أي: لأن قوله لا تردن نهي عن الإرادة التي هي سبب فهي أبلغ من النهي عن المسبب قوله: (فهي عندهم حرف جر معد متعلق الخ) اعترض بأن خبر كان اسم فاعل واللام المتعلقة باسم الفاعل هي لام التقوية لأنها حرف معد، والجواب أن المصنف يرى أن لام التقوية ليست أصلية ولا زائدة بل متوسطة بينهما فليست أصلية محضة لصحة إسقاطها وليست زائدة محضة لأنها الربط ما بعدها بما قبلها، وإذا كانت واسطة فقوله حرف جر معد أي في الجملة أي متوسطة وغيره يقول إن اللام التي للتقوية زائدة.
  قوله: (وإن كان مكرهم الخ) أي: فالمعنى على هذا القول وعند الله جزاء مكرهم أشدد مكرهم وما كان مكرهم لتزول منه الجبال أي إن الله يجازيهم على مكرهم وإن كان مكرهم ليس التقول. قوله: (مكرهم) أي: تحيلاتهم وتدبيراتهم التي يتراءى أنها صحيحة وحق، وإن كانت فاسدة في نفس الأمر. قوله: (قراءة غير الكسائي) أما الكسائي فيفتح اللام الأولى ويرفع الأخيرة فإن مخففة من الثقيلة مهملة لدخولها على الفعل واللام فارقة، ثم على ما استظهره المصنف فمؤدى القراءتين إثبات، وأما على قول الكثير فقال ابن الحاجب الجبال على قراءة الكسائي الأمور العظيمة العادي وعلى قراءة غيره آيات الله وشرائعه فلا تعارض بين النفي والإثبات.
٣٤٦ - التخريج: البيت بلا نسبة في (الخصائص ٣/ ١٧٤؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٥٦١).
اللغة العاذل اللائم. الملامة: العتب والتعنيف.
المعنى: يا من تلمنني وتعنفنني، توقفن عن عتبكن وتقريعكن، فأنا لا أطيع اللائمات، ولا أخضع لسلطانهن.