وللام الجارة اثنان وعشرون معنى
  ولا عتبارهم حكم صَدْرِيَّتها فيما قبل «إن» دون ما بعدها، دليل الأول أنها تمنع من تسلّط فعل القلب على أن ومعموليها، ولذلك كسرت في نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}[المنافقون: ١] بل قد أثَرَتْ هذا المنع مع حذفها في قول الهذلي [من الكامل]:
  ٣٧٩ - فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمْ بِعَيْشِ نَاصِبٍ ... وإخَالُ إِنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبِعُ
  الأصل: إني للاحق، فحُذِفت اللام بعدما عَلَّقت «إخالُ». وبقي الكسر بعد حذفها كما كان مع وجودها، فهو مما نُسخ لفظه وبقي حكمه. ودليل الثاني أن عمل
  قوله: (ولاعتبارهم) علة ثالثة وهو عطف على قوله لئلا يحول وحاصل هذه العلة أن المسموع من العرب مع وجود اللام وأن إعمال العامل لفظاً في حمل وإبطال عمله لفظاً في محل آخر، أما الثاني وهو إبطال العمل ففي نحو علمت أن زيداً القائم حيث علق فعل العلم عن العمل بدليل كسر إن ولولا التعليق لفتحت كما في علمت أن زيداً قائم، وأما الأول وهو الإعمال ففي نحو إن في الدار لزيداً حيث نصبوا بأن مع وجود اللام متأخرة عنها فعلم إن اللام في نحو علمت أن زيداً لقائم منوي بها التقدم على أن وهو المدعي، ولولا ذلك لم يقع التعليق إذ لو كانت مؤخرة لفظاً ونية بعد أن لأعمل العامل المتقدم إذ لا أثر لللام في إبطال معمل مع تأخرها عن إن بدليل إن في الدار لزيداً. قوله: (ولاعتبارهم حكم صدريتها فيما قبل إن) أي: حيث علقت الفعل القلبي الواقع قبل إن نحو علمت أن زيداً لفاضل فهذا يدل على أن اللام منوي تقدمها على أن وإن كانت ذاتها مؤخرة إذ لو كانت مؤخرة لفظاً ونية بعد إن لأعمل العامل إذ لا أثر للام في إبطال العمل مع تأخرها عن إن بدليل إن في الدار لزيداً فقد نصبوا بأن مع تأخر اللام عنها.
  قوله: (دون ما بعدها) أي: ليس لها حكم الصدرية فيما بعد إن بدليل عمل إن فيما بعد اللام نحو إن في الدار لزيداً قوله: (ولذلك كسرت) أي: ولأجل منعها تسلط الفعل القلبي. قوله: (هذا المنع) أي: منع التسلط. قوله: (فغبرت) بالفاء والغين المعجمة أي بقيت ومكثت وقوله: بعدهم أي بعد أولاده الذين ماتوا، وقوله: بعيش أي في عيش وقوله ناصب أي متعب، وقوله: وأخال أي أظن وقوله مستتبع بكسر الباء اسم فاعل أي تابع لهم ولاحق بهم قوله: (وبقي الكسر) أي: كسر إن قوله: (فهو) أي: اللام مما نسخ أي
٣٧٩ - التخريج: البيت لأبي ذؤيب الهذلي في (تلخيص الشواهد ص. ٤٤٨؛ والدرر ٢/ ٢٥٩؛ وشرح أشعار الهذليين ١/ ٨؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٢٦٢؛ والمقاصد النحوية ٣/ ٤٩٤؛ والمنصف ١/ ٣٢٢؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢/ ٦٠٤؛ وهمع الهوامع ١/ ١٥٣).
اللغة: غبرت: مكثت وذهبت (من الأضداد)؛ والغابر: الماضي والباقي. الناصب: المتعب الشاق. إخال: أظن.
المعنى: لقد بقيت بعدهم حيا، ولكن حياتي حياة تعب ومشقة ولا بد لي - كما أظن - أن ألحق بهم، وأتبعهم بالموت.