وأما أوجه الحرفية
  لأنه خلاف الواقع باتفاق، فتعين صَرْفُه لغير المذكور وصَرْفُ الإثبات للمذكور، فجاء الحصر.
  وهذا البحث مبني على مقدَّمتين باطلتين بإجماع النحويين، إذ ليست «إِنَّ» للإثبات، وإنما هي لتوكيد الكلام إثباتاً كان مثل «إنَّ زيداً قائم»، أو نفياً مثل «إِنَّ زيداً ليس بقائم»، ومنه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا}[يونس: ٤٤]؛ وليست «ما» للنفي، بل هي بمنزلتها في أخواتها «ليتما» و «لعلما» و «لكنما» و «كأنَّما»، وبعضهم ينسب القول بأنها نافية للفارسي في كتاب الشيرازيات، ولم يقل ذلك الفارسي لا في الشيرازيات ولا في غيرها ولا قاله نحوي غيره وإنما قال الفارسي في الشيرازيات: إن العرب عاملوا «إنما» معاملة النفي و (إلا) في فصل الضمير كقول الفرزدق [من الطويل]:
  النوم والقعود مثلاً قوله: (فتعين صرفه) أي: صرف النفي لغير المذكور كالرقاد والقعود وقوله للمذكور أي القيام في المثال قوله: (فجاء الحصر) أي: الذي هو إثبات الحكم للمذكور ونفي ما عداه عنه قوله: (وهذا البحث) أي: قولهم لا جائز أن يتوجها إلى شيء واحد ولا جائز أن يحكم الخ. قوله: (على مقدمتين) الأولى أن إن للإثبات والثانية أن ما نافية قوله: (إذ ليست إن للإثبات) قد يقال مراد هذا القائل إنها هنا ملاحظة حيث من استعمالها للإثبات لا أنها دائماً له ولا يخفي أصالة إثبات أو يدعي العدول في قضايا النفي وأنه حكم بثبوت النفي لا بنفي الثبوت، وقد ذكر بعضهم نحو ما هنا في سبب إعمال لا عمل إن قال لأنها في النفي نظيرتها في الإثبات قوله: (إذ ليست إن للإثبات) أي: ليست موضوعة للإثبات لأن الإثبات لم يوضع له حروف تدل عليه. قوله: (مثل إن زيداً قائم) أي: فالمعنى قام زيد قطعاً.
  قوله: (إن الله لا يظلم الناس شيئاً) أي: انتفى الظلم عن الله انتفاء مؤكداً. قوله: (بمنزلتها في أخواتها) أي: وهي في أخواتها زائدة لا للنفي والأصل إن الشيء لا يخالف ما ماثله، وأيضاً لو كانت نافية لخرجت عن صدارتها ولجاز إعمالها وكل هذا على أن التركيب في هذا القول على ظاهره وفي الشمني عن بعضهم أنه أبدا لسر مناسبة في الوضع مع الاعتراف بأن إنما كلمة واحدة قوله: (وبعضهم الخ) يشير به إلى الشيخ شهاب الدين القرافي المالكي فإنه حكى ذلك عن الفارسي. قوله: (في كتاب الشيرازيات) هو كتاب فيه مسائل أملاه الفارسي وهو في شيراز للطلبة والنسبة له اعتبار المسائل، ولو نسب باعتبار الكتاب لقال الشيرازي قوله: (إن العرب الخ) حاصله أنه لا يعدل إلى الانفصال إذا أمكن الاتصال إلا إذا كان الضمير محصوراً بما وإلا، أو كان مقدماً على عامله فإذا وجد الفصل في كلامهم إنما دل ذلك على أنهم عاملوا إنما معاملة ما وإلا.