وأما أوجه الحرفية
  «ما»: اسم موصول والعائد محذوف؛ وكذلك {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ}[طه: ٦٩] فمَنْ رفع «كيد» فـ «إنّ» عاملة و «ما» موصولة والعائد محذوف، لكنه محتمل للاسمي والحرفي، أي: إن الذي صنعوه أو إن صنعهم؛ ومَنْ نصب - وهو ابن مسعود والربيع بن خَيْثم - فـ «ما» كافة؛ وجزمَ النحويون بأن «ما» كافّة في {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: ٢٨]، ولا يمتنع أن تكون بمعنى الذي، والعلماء خبر، والعائد مستتر في «يخشى».
  وأطلقت «ما» على جماعة العقلاء، كما في قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء: ٣]، {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء: ٣] وأما قول النابغة [من البسيط]:
  قالَتْ أَلا لَيْتَمَا هذَا الحمام لنا ... [إلى حَمَامَتِنَا أَوْ نِصْفَهُ فَقَدِ]
  فمن نصب «الحمام»، وهو الأرجح عند النحويين في نحو: «ليتما زيداً قائم» فـ «ما»: زائدة غير كافَّة و «هذا» اسمها و «لنا» الخبر، قال سيبويه: وقد كان رُؤْبة بن العجاج ينشده رفعاً، اهـ. فعلى هذا يحتمل أن تكون «ما» كافة، و «هذا» مبتدأ؛ ويحتمل أن تكون موصولة و «هذا» خبر لمحذوف، أي: ليت الذي هو هذا الحمام لنا؛ وهو ضعيف، لحذف الضمير المرفوع في صلة غير «أي» مع عدم الطول، وسهل ذلك لتضمنه إبقاء الإعمال.
  وزعم جماعة من الأصوليين والبيانيين أن «ما» الكافّة التي مع «إِنَّ» نافية، وأن ذلك سبب إفادتها للحضر، قالوا: لأن «إنَّ» للإثبات و «ما» للنفي، فلا يجوز أن يتوجها معاً إلى شيء واحد، لأنه تناقض؛ ولا أن يُحكم بتوجه النفي للمذكور بعدها،
  والمختص الأعمال. قوله: (في نحو ليتما زيداً قائم) أي: وكذا في البيت فهو من جملة النحو قوله: (وقد كان) أشار به إلى قلة الرفع.
  قوله: (وهذا مبتدأ) أي: والحمام بدل منه لنا هو الخبر على كل حال. قوله: (وهو) أي: الإعراب الأخير ضعيف. قوله: (مع عدم طول الصلة) قد يجاب بأن الطول قد حصل بالبدل وسيأتي له قريباً أن الطول يحصل بالوصف. قوله: (وسهل) أي: جوز ذلك أي الإعراب وهو بالبناء للمفعول أي جواز وإن كان ضعيفاً قوله: (وإن ذلك) أي: كونها نافية سبب الخ. قوله: أن يتوجها معاً إلى شيء واحد أي كقيام زيد في إنما زيد قائم. قوله: (تناقض) أي: لأنه يفيد أن القيام ثابت منفي. قوله: (للمذكور بعدها) أي: وهو القيام أي بحيث لم يكن القيام حصل وهذا باطل قطعاً إذ القيام ثابت قطعاً والمنفي إنما هو