حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

التنبيه الثاني

صفحة 403 - الجزء 2

  والثاني: ما لا يحتاج فيه إلى ذلك، لِكَوْنِهِ جملةً تامة، وذلك كثير جدا، نحو الجملة المنفية وما بعدها في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}⁣[آل عمران: ١١٨]. قال الزمخشري: الأحسنُ والأبلغ أن تكونَ مستأنفات على وجه التعليل للنهي عن اتخاذهم بطانة من دون المسلمين، ويجوز أن يكون «لا يألونكم» و «قد بدت» صفَتَيْن، أي: بطانة غير مانعتكم فساداً بادية بغضاؤُهم. ومنع الواحِدي هذا الوجه، لعدم حرف العطف بين الجملتين، وزعم أنه لا


  المثال المذكور فإنه على الاحتمال الأول مفرد وجملة على الثاني. قوله: (والثاني ما) أي: لفظ أو جمل على الاستئناف. قوله: (إلى ذلك أي: تقدير. قوله: (لا تتخذوا بطانة) أي: أصفياء تظهرونهم على سركم وموالاة ربكم أي لا يتبعونكم. قوله: (وما تخفي صدورهم أكبر) كان عليه أن يريد قد بينا لكم الآيات لأن قول الزمخشري أن تكون مستأنفات أي الجمل الثلاث أعني لا يألونكم خبالاً وقد بدت البغضاء من أفواههم وقد بينا لكم الآيات، وأما قوله وما تخفي صدورهم فجملة حالية لا تعد والحاصل أن الزمخشري بعد أن ذكر أن الجملتين يصح أن تكونا صفتين ذكر أن الأولى أن تكون الجمل الثلاث مستأنفات وإنما لم يعد ودوا ما عنتم جملة منها لأنها بيان لقوله لا يألونكم خبالاً. قوله: (والأبلغ أن تكون مستأنفات) أي: استئنافاً نحوياً أو بيانياً، ووجه الأبلغية أن بيان التعليل أكثر فائدة وأيضاً الوصفية توهم أن البطانة من الدون قد تتصف بهذه الصفة وقد لا مع أنها كذلك دائماً. قوله: (على وجه التعليل) أي: لأنهم لا يألونكم خبالاً أي لا يمنعونكم من الخبال أي من الفساد بدليل أنهم يودون عنتكم أي شدة ضرركم ولأنه قد بدت البغضاء من أفواههم لكم؛ والحال أن ما تخفيه صدورهم من البغضاء أعظم مما أبدته أفواههم، فقوله وما تخفي صدورهم أكبر جملة حالية، وقوله ودوا ما عنتم بيان لما قبله، وأما قد بينا لكم الآيات فيحتمل أنه استئناف كلام وإنه علة للنهي أيضاً أي لأننا بينا لكم الآيات الدالة على وجوب معاداة من عادانا؛ الحاصل أن الزمخشري جوز أن تكون الجملتان الأوليان صفتين وهما قوله لا يألونكم خبالاً، وقوله قد بدت البغضاء وجوز جعلهما مستأنفين علة للنهي، قوله وأما بينا لكم الآيات الخ فهو مستأنف على كل حال إما علة للنهي أو منقطع عما قبله لفظاً ومعنى قوله: (على وجه التعليل للنهي) ليس المراد أن المجموع علة واحدة للنهي بل كل واحد علة مستقلة وترك العاطف تنبيهاً على الاستقلال ويجوز أن يكون كل واحد علة لما قبله. قوله: (بطانة) أي: أولياء وترك المصنف ودوا ما عنتم لما علمت أنها توكيد وبيان لما قبله. قوله (من دون المسلمين) أي: من غيرهم.

  قوله: (ويجوز الخ) هذا هو الذي صدر به الزمخشري فقال يجوز أن يكون لا يألونكم وقد بدت صفة والأحسن الخ فقد ذكر في جانب الصفة الجملتين الأوليين وذكر