حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

التنبيه الثالث: من الجمل ما جرى فيه خلاف

صفحة 404 - الجزء 2

  يُقال: «لا تَتَّخِذ صاحباً يُؤْذِيك أحب مفارقتك». والذي يظهر أن الصفة تتعدد بغير عاطف وإن كانت جملة كما في الخبر، نحو {الرَّحْمَنُ ١ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ٢ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ٣ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ٤}⁣[الرحمن: ١ - ٤]، وحصَلَ للإمام فخر الدين في تفسير هذه الآية سهو، فإنه سأل: ما الحكمة في تقديم «من دونكم» على «بطانة»، وأجاب بأن مَحَطَّ النهي هو من دونكم لا «بطانة»، فلذلك قدّم الأهم، وليست التّلاوة كما ذكر؛ ونظير هذا أن أبا حيان فسر في سورة الأنبياء كلمة زُبُرا بعد قوله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا}⁣[المؤمنون: ٥٣]، وإنما هي في سورة المؤمنين وترك تفسيرها هناك، وتبعه على هذا السهو رجلان لخصا تفسيره إعراباً.

  التنبيه الثالث: من الجُمَل ما جرى فيه خلاف، هل هو مستأنف أم لا؟ وله أمثلة:

  أحدها: «أقوم» من نحو قولك: «إنْ قامَ زَيْدٌ أَقُومُ»، وذلك لأن المبرد يرى أنَّه على إضمار الفاء، وسيبويه يرى أنه مؤخّر من تقديم وأن الأصل: أقوم إن قام زيد، وأن جواب الشرط محذوفٌ، ويؤيده التزامهم في مثل ذلك كون الشرط ماضياً.

  وينبني على هذا مسألتان:


  في الاستئناف الثلاثة قوله: (أحب) أي: بدون العاطف أي وإنما يقال وأحب بالواو. قوله: (كما في الخبر) أي: لأن الصفة محكوم بها في المعنى. قوله: (كما ذكر) أي: بل التلاوة تقديم البطانة على قوله من ودونكم. قوله: (وإنما هي في سورة المؤمنون) أي: وأما سورة الأنبياء فليس فيها لفظ زبراً بل التلاوة وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون. قوله: (وترك تفسيرها الخ) أي: اعتقاد أنها إنما هي في الأنبياء لا في المؤمنون. قوله: (لخصا من تفسيره إعراباً) أي: لخص كل منها إعراباً وهم السفاقسي وشهاب الدين الحلبي المعروف بالسمين. قوله: (من نحو قولك) أي: من كل تركيب وقع الفعل المضارع فيه مرفوعاً بعد الشرط. قوله: (على إضمار الفاء) أي: ومبتدأ والتقدير فإنا قوم فالجملة اسمية فتربط بالفاء وليست مستأنفة لأنها جواب الشرط. قوله: (وسيبويه يرى الخ) قال الرضى لا نحتاج لأحد هذين المذهبين أصلاً بل نجعل نفس يقوم جواباً لأن ولا تقديم ولا تأخير ولا حذف وإنما رفع الجزاء لضعف أداة الشرط بحيلولة فعل الشرط غير معمول لفظاً بينها وبين الجواب فلما لم تعمل في الشرط لفظاً أنه بلصقها لم تعمل في الجزاء أصلاً لبعده مع عنها فالأداة لم تعمل إلا في فعل الشرط محلاً قوله: (مؤخر من تقديم) أي: فهو فعل مضارع مرفوع وهو دليل الجواب لأن حقه التقديم والجواب محذوف أي أقم دل عليه أقوم المذكور فالجملة على هذا مستأنفة.

  قوله: (ويؤيده) وجه التأييد أن معنى الشرط يكثر معه حذف الجواب. قوله: (وينبني على هذا) أي: الخلاف من كون أقوم جواب الشرط وإنه ليس مستأنفاً أو إنه ليس جواب