الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في القرينة]

صفحة 157 - الجزء 1

  (و) الثاني أن تكون (مخصصة وهي الموجبة قصر العام على بعض مدلوله) نحو: ما تقدم من الأمثلة (و) قصر (المشترك على أحد محتملاته) نحو: إذا أقرأتي فبعده اغتسلي، فهاهنا قرينة صرفت عن أن يراد بالقرء معنييه بل قصرته على الحيض، (وتختص) هذه (بهما) أي بالعموم والمشترك.

  (قيل: و) تنقسم باعتبار فائدتها أيضاً (إلى مكملة وهي تمام فائدة الخطاب) إما (بخطاب أو بغير خطاب) والتمام معنى ذات تمام، أو بمعنى المتممة، أو سميت تماماً مبالغة إذ التمام هو التكميل لا التكملة، والتكميل كما ذكر ضربان: أحدهما: بخطاب والثاني: بغيره.

  قال القاضي عبد الله: أمَّا الأوَّل فهو ضروبٌ ثلاثة:

  أحدها: أن يرد الكلام بحدوث شيء في وقت له اسم، ثُمَّ يرد مرةً أخرى بحدوثه في وقتٍ له اسم غير الاسم السابق، والكلام من حكيم والحدوث مرة واحدة، فيعلم أن المسمى بالاسم الثاني هو الأوَّل أو بعضه، مثال ذلك في قوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ١}⁣[القدر: ١]، فنعلم أنَّ ليلة القدر أحد ليالي رمضان؛ إذ لا يكون كله، روي هذا الاستنبَاط عن ابن مسعود، وهذا حجة على من قال إن ليلة القدر في غير رمضان، والمراد بالنزول نزوله جملة واحدَة إلى سماء الدنيا، ثُمَّ كان بعد ذلك ينزل على الرسول منها شيئاً فشيئاً بحسب المصلحة وأمر الله تعالى، أو يكون المراد ابتداء النزول على النبي ÷.

  ثانيها: أن يرد الكلام بمدةٍ مضروبَة لأمرين، ثُمَّ يرد بعد ذلك تقديرٍ من المدَّة لأحدهمَا، فإمَّا يعلم أن باقي المدة للأمر الآخر إذا كان المتكلم حكيماً، مثال ذلك قولُه تعالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}⁣[الاحقاف: ١٥]، وقال في آية أخرى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}⁣[لقمان: ١٤]، فيعلم أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لأنها الباقية من المدة بعد العامين، روى أن الذي استنبط أن أقل الحمل ستة أشهر أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، وقيل: ابن عباس.

  ثالثها: أن يرد الكلام بصفة من الأشياء، ثُمَّ يرد كلام بعد ذلك بحكم لتلك الصفة، فيعلم أن الموصوف له ذلك الحكم؛ إذ للصفة حكم للموصوف إن كان المتكلم حكيماً، مثال ذلك وإن لم يقر بمعناه {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}⁣[الأنعام: ٣٨]، فاقتضى هذا وصف نوع من الطير والوحوش بأنه أمَّة، ثُمَّ قال سبحانه وتعالى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا