فصل [شرح الحروف الكبير]
  باعتبار تقارب دلالتيهما وإن كان بينه وبينه فرقاً، كالفرق ما بين علم الجنس المستعمل في فرد وبين اسم الجنس نحو لقيت أسامة ولقيت أسداً، فأسد موضوع لواحد من آحاد جنسه، فإطلاقه على واحد إطلاق على أصل وضعه، وأسامة موضوع للحقيقة المتحدة في الذهن، فإذا أطلقتها على واحد فإنما أردت الحقيقة، ولزم من إطلاقه على الحقيقة باعتبار الوجود التعدد ضمناً، وكذا النكرة يفيد أن ذلك الاسم بعض من جملة الحقيقة نحو: ادخل سوقاً، بخلاف المعرف نحو: ادخل السوق، فإن المراد به نفس الحقيقة، والبعضية مستفادة من القرينة، كالدخول مثلاً فهو كعام مخصوص بالقرينة، فالمجرد وذو اللام إذن بالنظر إلى القرينة سواء، وإن كان ذو اللام تجري عليه أحكام المعارف من وقوعه مبتدأ أو ذا حال ووصفاً للمعرفة وموصفاتها ونحو ذلك، كعلم الجنس، وهذه الأحكام اللفظية هي التي اضطرتهم إلى الحكم بكونه معرفة وكون نحو أسامة علماً حتى تكلفوا ما تكلفوا، ولكون هذا كالنكرة يعامل معاملتها كثيراً، فيوصف بالجمل، كقوله:
  ولقد أمر على اللئيم يسبني
  وفي التنزيل {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}[الجمعة: ٥]، على أنَّ يحمل صفة للحمار، وفيه {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}[النساء: ٩٨]، لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس لشيء بعينه، كذا في اللسان.
  فإن قيل: المعرف بلام الحقيقة وعلم الجنس إذا أطلقا على واحد أحقيقة أو مجاز؟
  قلنا: بل حقيقة، إذ لم يستعمل إلا فيما وضع له، لأن معنى استعمال الكلمة في المعنى أن يكون الغرض الأصلي طلب دلالتها على ذلك المعنى وقصد إرادته منها، وأنت إذا أطلقت المعرف أو العلم المذكوران على الواحد فإنما أردت الحقيقة، ولزم بذلك التعدد باعتبار الوجود وانضمام القرينة، فهي لم تستعمل إلا فيما وضع له.
  (وإن أطلق) المعرف بها (على كل الأفراد نحو {وَالْعَصْرِ ١ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ٢} فهو المسمى تعريف الإستغراق، ونحوه: كل مضاف إلى نكرة نحو: كل إنسان في خسر) ولا خفاء في تميز بعض الأقسام عن بعض إلا في تعريف الماهية، فإنه لا يتميز عن أسماء الأجناس التي ليست فيها دلالة على البعضية والكلية، نحو: رجعى وذكرى، والرجعى والذكرى، وإن قصد به الإشارة إليها باعتبار حضورها في الذهن لم يتميز عن تعريف العهد، وهذا حاصل الإشكال الذي أورده صاحب المفتاح على هذا المقام.