فصل: [في معنى الواجب وأقسامه]
  وملخصه: أن فرض الكفاية والمخير وصلاة النائم خارجة عن الحد بدون ذلك القيد، لكن خروج الأولين بسبب العموم في الذم، وخروج الثالث بسبب اعتبار لحوق الذم للتارك، فالترك الذي هو تارك له به، فإذا أريد القيد ارتفع العموم فقط، فيدخل الأوَّل دون الثاني لبقاء مخرجه على حاله، هكذا حقق المقال. انتهى.
  واعلم أن الحد - وإن صح من هذه الجهة - فهو مختل من جهة أخرى؛ إذ يقال: إن أردتم استحقاق ذم الشارع عليه فلا يوجد في الجميع؛ إذ لا نص في كل واجبٍ، أو بنص أهل الشرع فدور؛ لأنه إذا عرف بذمهم وهم لا يذمون مالم يعرفوا الواجب ولا يعرفون الوجوب مالم يعرفوا الذم كان دوراً، وبذم العقلاء، فكذلك يلزم الدور؛ إذ لا يذمون على كثير من الواجب الشرعي ما لم يعرفوا الوجوب، ولا يعرفون الوجوب مالم يعرفوا الذم.
  قال (أئمتنا والجمهور) من العلماء، منهم: الشافعي، (ويرادفه) أي الوجوب (الفرض)، بمعنى أنهما اسمان بمعنى واحد.
  وقال (الناصر) للحق الحسن بن علي، (والداعي) إلى الله يحيى بن المحسن(١)، (والحنفية) ليسا مترادفين، بل (الفرض ما دليله قطعي) من نص كتابٍ أو سنَّة متواترة أو إجماع أو قياس قطعيين كقراءة القرآن في الصلاة الثابتة بقوله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل: ٢٠]، (يفسق تاركه ويكفر مستحله ويُقضى) ولا يحل ترك قضاءه (والواجب نقيض ذلك) وهو مالم يثبت بنص قطعي ولا إجماع ولا قياس قطعيين كتعيين الفاتحة الثابتة بقوله «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» وهو آحاد، ونفي الفضيلة محتمل ظاهر، فلا يفسق تاركه ولا يكفر مستحله ولا يقضى، وذلك كالوتر عندهم، والنزاع لفظي، فنحن نجعل اللفظين اسماً لمعنى واحد بتفاوت أفراده، أخذاً من فرض الشيء قدره، ووجب بمعنى ثبت، وكل من المقدر والثابت أعم من أن يثبت بقطعي، وهم يخصون جهة كل منهما
(١) الإمام الداعي إلى الله يحيى بن المحسن بن محفوظ بن محمد بن يحيى، من أئمة الزيدية الدعاة، دعا بعد وفاة الإمام المنصور بالله في شهر صفر سنة أربع عشرة وستمائة، وكان بمحل من البلاغة والعلم، قال الإمام المنصور بالله: مع الداعي علم أربعة أئمة، توفي في شهر رجب سنة (٦٣٦) هـ، ومشهده بساقين من بلاد خولان، مشهور مزور، وله في أاصول الفقه كتاب (المقنع الشافي).