فصل: [في كلام الجزري في القرآءة الصحيحة]
  الضروري عن كونه من القرآن، وإلا فإثبات لضروري عدم كونه من القرآن، وكلاهما مظنة التكفير، فكان يقع التكفير من جانب عادة لمنكر أحد الأركان أو مثبت ركن آخر، وأمَّا انتفاء اللازم فلأنه لو وقع لنقلٍ، والإجماع على عدم التكفير من الجانبين.
  قلنا: الجواب ما قاله (ابن الحاجب: وقوة الشبهة في البسملة منعت من التكفير من الجانبين) يعني لا نسلم الملازمة، وإنما يصح لو كان كل من الطرفين لا تقوم فيه شبهة قويَّة تخرجه من حيز الوضوح إلى حيز الإشكال، وأمَّا إذا قوي عند كل فرقة الشبهة من الطرف الآخر، فلا يلزم التكفير، وذلك لأن قوة الشبهة عند كل فريق - لا عند المتمسك بها فقط - مانعة لكل فريق من تكفير خصمه عنده، عذر واضح في عدم التكفير؛ لأنه يدل على أنه غير مكابر للحق، ولا قاصد لإنكار ما ثبت عن النبي ÷ قطعاً، هذا معنى كلام عضد الدين.
  والذي عول عليه السعد: أن المراد بقوة الشبهة عند الخصم وعلى زعمه؛ لأن دليل كونها ليست في أوائل السور من القرآن مثلاً عند من ذهب إلى ذلك قطعي، لكن مخالفَة القطعي إنما تكون كفراً إذا لم يستند إلى شبهة قويَّة، فلذلك لم يكفر.
  فإن قيل: أدنى درجات الشبهة القويَّة أن تورث شكاً أو وهماً، فلا يبقى الطرف الآخر قطعياً.
  قلنا: هي قوية عند من يتمسك بها، وأما عند الخصم فمن الصعب، بحيث لا تفيد سيما هذا.
  والشبهة ما تقدم من عدم تواتر البسملة في أوائل السور قرآءناً، فلا يكون فيها من القرآن، لقضاء العادة بتواتر تفاصيل مثله، هذا من أحد الطرفين، ومن الآخر ما ادعي من التواتر وكونها مكتوبة في المصحف مع توصيتهم بتجريده عما سواه حتَّى لم يثبتوا (آمين)، ومنع قومٌ العَجْمَ، وهذا دليل قطعي.
  وقد يقال: بقي ها هنا إشكال وهو أن ما ذكرتم يقضي بكفر من قرأ القراءة الآحاديَّة أو أثبتها، والمعلوم خلاف ذلك، وإلا لنقل، بل يلزم منه أيضاً تخطئة من عمل بها؛ لأن المسألة قطعيَّة لا مجال للاجتهاد فيها، ولم يسمع ذلك أيضاً.
فصل: [في كلام الجزري في القرآءة الصحيحة]
  (حكى الجزري) في كتابه النشر ما معناه: (أن القراءة) تنقسم إلى صحيحة وشاذة وباطلة، وأن (الصحيحة):