الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في الأمر بالشيء المعين هل هو نهي عن ضده أو يدل عليه أو لا؟

صفحة 392 - الجزء 1

  أحدهما: معتد به شرعاً لكونه مستجمعاً للشرائط المعتبرة، فيوصف بالإجزاء.

  والآخر: غير معتد به لانتفاء شرط من شروطه، فيوصف بعدم الإجزاء كالصلاة والصيام والحج.

  (لا) ماله (وجه واحد) فإنه لا يوصف بالإجزاء وعدمه، وذلك (كمعرفة الله تعالى) فإن من عرفه تعالى بطريقٍ ما فلا كلام، وإن لم يعرفه فلا يقال عرفه معرفة غير مجزية؛ لأن الغرض أنه ما عرف.

  (و) كذلك أيضاً (رد الوديعة) لأنه إمَّا أن يردها إلى المودع أو لا؟.

  فإن ردها فلا كلام، وإلا فلا رد.

  قال الآسنوي: وهذا في المعرفة صحيح، وأمَّا في الوديعة فلا؛ لأن الموع إذا حجر عليه لسعة أو جنون فلا يجزي الرد عليه، بخلاف ما إذا لم يحجر عليه، فتلخص أن رد الوديعة يحتمل وقوعه على وجهين. انتهى.

فصل: في الأمر بالشيء المعين هل هو نهي عن ضده أو يدل عليه أو لا؟

  قال بعض المحققين: وليس الكلام في هذين المفهومين لا في المعنى لاختلافهما بالإضافة، فإن الأمر مضاف إلى الشيء، والنهي إلى ضده، لا في اللفظ؛ لأن صيغة الأمر افعل وصيغة النهي لا تفعل، وإنما النزاع في الأوامر الجزئية المعينة، ولهذا زدنا لفظ المعين ليدل على أن الكلام في الجزئيات بمعنى إنما يصدق عليه أنه أمر بشيء هل يصدق عليه أنه نهي عن ضده أو دال عليه أو لا؟

  اختلف في ذلك على مذاهب:

  أولها: قول (أئمتنا والمعتزلة: و) هو أنه (ليس الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده، ولا يتضمنه، أي لا يدل عليه بالمطابقة ولا التضمن) كما إذا قال اسكن فليس دالاً على الحركة لا مطابقة ولا تضمناً، (إذ) الأمر بالشيء كالسكون والنهي عن ضده كالحركة (هما لفظان متغايران) وصواب العبارة أن يقال: معنيان متغايران أو بحذف لفظ لفظان إذا التغاير اللفظي لا دخل له في نفس إيجادهما أو نفي كون أحدهما جزء للآخر، والمطلوب أنه ليس معنى قولنا لا تسكن غير معنى قولنا: تحرك، حتَّى أنه يدل عليه بالمطابقة، ولا جزؤه حتَّى أنه يدل عليه بالتضمن، بل هما معنيان متغايران بمعنى أن أحدهما غير الآخر؛ إذ لو كان كذلك لم يحصل بدون تعقل الضد والكف عنه؛ لأن الكف عن الضد هو مطلوب النهي، ويمتنع أن يكون المتكلم طالباً لأمر لا يشعر به فيكون الكف عن الضد متعقلاً له، وما ذلك إلا بتعقل مفرديه، وهما الضد والكف عنه، ونحن نقطع بطلب حصول الفعل مع الذهول عنهما.