الباب الرابع من أبواب الكتاب: باب الخصوص
  إذا عرفت هذا فاعلم أن (المختار أن) صيغة(١) (المستثنى فيه) أي في المنقطع (مجاز) فإذا أطلق فهم منه الإتصال لا الإنقطاع.
  (وقيل: حقيقة) في ذلك، ثُمَّ اختلفوا فقيل: تطلق عليه حقيقة (بالتواطؤ) أي مقول على المتصل والمنقطع باعتبار أمر مشترك بينهما، وهي المخالفة بين المستثنى والمستثنى منه؛ إذ لا بد لصحته منها، وإذا عرفت أنه لابد لصحة الاستثناء المنقطع من مخالفة بوجه من الوجوه فقد يكون بانتفاء من المستثنى الحكم الذي ثبت للمستثنى منه نحو: جاءني القوم إلا حماراً فقد نفينا المجيء عن الحمار كما أثبتناه للقوم، وقد يكون للمستثنى نفسه حكماً آخر مخالفاً للمستثنى منه مثل: ما زاد إلا ما نقص، فإن النقصان حكم مخالف للزيادة، وكذا ما نفع إلا ما ضر، ولا يقال: ما جاني زيد إلا أن الجوهر الفرد حق، فلا مخالفة بينهما بأحد الوجهين، وبالجملة فإنه مقدر بلكن، فكما يجب فيه مخالفة إما تحققياً مثل: ما ضربني زيد لكن عمرو، وإما تقديراً: مثل ما ضربني لكن أكرمني، فكذا هاهنا.
  و (ما) الأولى فيما زاد إلا ما نقص نافية، والثانية مصدرية، والمعنى: ولكن النقصان أمره وشأنه، على ما قدره السيرافي، وليس المعنى ما زاد شيئاً غير النقصان ليكون متصلاً مفرغاً.
  إذا عرفت هذا فحده عند من جعله متواطئاً - ممكن مع المتصل بحد واحدٍ - وهو: ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها.
  فقولنا: (ما دل على مخالفةٍ) يتناول أنواع التخصيص، وقوله (بإلا) يخرج سائر أنواعه، وقيدنا (بغير الصفة) ليخرج نحو {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢]، لأنها بمعنى غير.
  (وقيل): بل هو حقيقة (بالاشتراك) أي يطلق لفظ صيغة الاستثناء على الاستثناء المتصل والمنقطع بالاشتراك اللفظي، فعلى الأول والثالث لا يمكن اجتماعها في حد واحد؛ لأن مفهوميه حينئذ - أعني الحقيقتين إن كان مشتركاً والحقيقي والمجازي إن كان مختصاً بالمتصل - حقيقتان مختلفتان، فلا يكون حدهما واحد، بل يجب حد كل واحدٍ منهما باعتبار خصوصيتهما، وهما متغايران ضرورة.
  فإن قيل: ربما يجمع الحقائق المختلفة في حد واحد كأنواع الحيوان.
(١) ظاهر كلام العضد وكثير من المحققين أن الخلاف في صيغ الإستثناء لا في لفظه، وعليه بنى الشارح ¦، وظاهر الإستدلال بقولهم أنه مأخوذ من ثنيت عنان الفرس أي صرفته، وإنما يتحقق ذلك في المتصل صريح أن الخلاف في لفظ الإستثناء، وهو ظاهر إطلاق المؤلف، تمت من هامش النسخة (أ).