الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [تفصيل أقسام المفهوم]

صفحة 613 - الجزء 1

  لا يكون معمولاً به، وإنما الاستثناء للإعلام بعدم التعرض للمستثنى، والسكوت عنه من غير دلالة في مفهوم اللفظ على أن المستثنى حكماً مخالفاً لحكم المستثنى منه فيهما، ففي مثل علي عشرة إلاَّ ثلاثة لا تثبت الثلاثة بحكم البراءة الأصليَّة، وعدم الدلالة على الثبوت لا بسبب دلالة مفهوم اللفظ على عدم الثبوت، وفي مثل ليس علي إلا تسعة لا يثبت بحسب دلالة مفهوم اللفظ لغةً، وإنما يحصل بحسب العرف وطريق الإشارة، وقد يحصل من ذلك الاتفاق على انتفاء الحكم في الحيثية الأولى، لكن بطريق مفهوم اللفظ عندنا، وعندهم بحكم البراءة الأصلية.

  لنا: النقل من أهل العربية أنه كذلك، وهي المعتمدة في إثبات مدلولات الألفاظ.

  ولنا: أيضاً لو لم يكن كذلك لم يكن لا إله إلا الله توحيداً، واللازم باطل بالإجماع.

  بيان الملازمة: إنما يتم بإثبات الإلهية لله ونفيها عما سواه، والمفروض أنه لا يفيد الإثبات له، وإنما يفيد النفي فقط، فلو تكلم بها دهري منكر لوجود الصانع وهي لا تفيد إلا نفي الغير لما نافى معتقده، ولم يعلم بها إسلامه، وذلك خلاف الإجماع.

  وقد يقال: إنه عندهم توحيد بحسب عرف الشارع، وإنما يلزمهم ذلك لو لم يقولوا كذلك لكن إنكار دلالة إلا زيدٌ على ثبوت القيام لزيد يكاد يلحق بإنكار الضروريات، وإجماع أهل العربية لا يحتمل التأويل.

  قالوا: لا خفاء بأن في مثل: لا صلاة إلا بطهور، ولا نكاح إلا بولي، ولا ملك إلا بالرجال، ولا رجال إلا بالمال، ولا مال إلا بالسياسة، إنما يدل على المستثنى منه مشروطاً بالمذكور ولا يتحقق بدونه، وأمَّا أنه يتحقق معه فلا، ولو كان الاستثناء من النفي إثباتاً للزوم الثبوت معه البتة.

  قلنا: لابد من تقدير أمر يتعلق به قولنا بطهور على أن يكون طرفاً مستقراً صفة له أي إلا صلاة بطهور، أو طرفاً كفاضلة، أي إلا باقترانها بطهور، ذلك المتعلق هو المستثنى، وأمَّا المستثنى منه فعلى الأول مذكور وهو النكرة المنفية، وعلى الثاني محذوف وهو بوجه من الوجوه، والاستثناء مفرغ، ولا نسلم أن قولنا: لا صلاة إلا صلاة بطهور تقضي صحة كل صلاة متصفة بالطهور، بل لا تقتضي إلاَّ صحَّة صلاة بطهور في الجملة، وكذا في الثاني لا يقتضي إلاَّ ثبوت الصلاة عند الاقتران بالطهور في الجملة، كما إذا وجدت سائر الشرائط.