فصل: [تفصيل أقسام المفهوم]
  قال سعد الدين: وما يقال من أنا إذا قلنا بصحة الصلاة المتصفة بالطهور، لزم عموم الحكم في كل صلاة كذلك لعموم النكرة الموصوفة بصفةٍ، مثل لا أجالس إلا رجلاً عالماً، ولدلالة الكلام على أن علة الصحة هي الوصف المذكور، فضعيف؛ لأن الأول ممنوع، للقطع بأن مثل قولنا: أكرمت رجلاً عالماً لا يدل على إكرام كل عالم، ولأنه مما قد قدح في عمومه كثير من العلماء الحنفية فضلاً عن القائلين بأن الاستثناء من النفي إثبات وبالعكس، ولا نزاع لأحد في أن من حلف ليكرمن رجلاً عالماً، برّ بإكرام رجل واحد، وأمَّا من حلف لا جالس إلا رجلاً عالماً فإنما يحنث بمجالسته عالمين أو أكثر، بناء على أن الوصف قرينة على أن المستثنى هو النوع لا المفرد، بخلاف ما لو قال: لا أجالس إلا رجلاً، على أن القائلين بعموم النكرة الموصوفة لا يشترطون في العموم الاستغراق، أو مبني على الثاني، والثاني مختص بما إذا كان صالحاً للإستقلال بالعلية، ولا يعارض قاطع، وهاهنا لم يستقل بالعلية؛ لأن بعض الصلاة المتصفة بالطهور باطلة كالصلاة إلى غير جهة القبلة وبدون النية ونحو ذلك.
  (وهو) أي الاستثناء (منطوق عند أئمة المعاني) وكذلك حكموا بأن دلالته على ذلك وضعية (وابن الحاجب) فجعلوا الاستثناء موضوعاً لإثبات ما نفاه المتكلم من الاستثناء، ولنفي ما أثبته للمستثنى منه، فذلك مدلوله الذي وضع له.
  [أخذ هذا لابن الحاجب من قوله لما رد على من أثبت أن مفهوم إنما منطوق، فقال:
  أليست إنما إلهكم إلا الله بمعنى: ما إلهكم إلا الله.
  قال العضد: والمنع عليه ظاهر، فنحن لا نسلم أنه مثله، وأنت تعلم أن مراد ابن الحاجب أن نفي إلاهية الغير في الإستثناء منطوق، كما صرح به السعد في موضع قبل هذا، وأما إثبات إلاهية الله فهي مفهومة، فتأمل وراجع ذلك ولا تغفل.
  والمدعي في إنما ادعى أن نفي إلاهية الغير في إنما مثل الإستثناء، فاعرف.
  الحاصل: أن في مثل إنما إلهكم الله، إثبات الإلهية لله منطوق، ونفي ماعداه على المختار مفهوم، وفي الإستثناء لا إله إلا الله نفي إلهية غير الله منطوق، وإثبات الاهية الله مفهوم، والذي قال بأن دلالة إنما منطوقية أراد أن دلالتها على نفي الغير منطوقية كصريح الإستثناء، وهو حق، فلا يؤخذ لابن الحاجب من ذلك أنه يقول إن دلالة الإستثناء على غير ما ذكر منطوق.