فصل: [تفصيل أقسام المفهوم]
  فتلخص من هذا أن النفي صريح الإستثناء في المثال، والإثبات مفهومه، وفي إنما الإثبات صريحه والنفي مفهومه، فالقائس قائس مفهومه على صريح الإستثناء، فاعرف ذلك، فإنه من غوامض هذا الفن](١).
  لنا: على أنه مفهوم أنه لم يصرح به في قولنا: قام القوم إلا زيداً في اللفظ بنفي ولا إثبات إنما المنطوق أن يقال: قام القوم ولم يقم زيد، وإلا زيداً فلم يقم، وكذلك ما قام القوم بل قام زيد، وإلا زيداً فإنه قام، فهذا هو المنطوق، بخلاف قول القائل: قام القوم إلا زيداً، فإنه يفيد قيام زيد بمفهومه لا بمنطوقه.
  قالوا: لو لم يكن منطوقاً لما امتنع ما زيد إلا قائم لا قاعد، واللازم باطل.
  قلنا: ليس امتناعه لذلك، بل لأن شرط المنفي بلا أن لا يكون منفياً قبلها بغيرها من أدوات النفي؛ لأنها موضوعة لأن ينفي بها ما أوجبت للمتبوع، لا أن يقيدها النفي في شيء قد تثبته، ولهذا صح نحو: قام القوم إلا زيداً فلم يقم.
  (و) الثاني (مفهوم إنما المكسورة المقتضية للحصر) احترازاً من الموصولة نحو: إنما أهلكت مال، أي الذي أهلكته مالٌ، فلا يفيد الحصر، (نحو) قوله تعالى: ({إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ}) فمعناه لا إله لكم إلا الله، (و) قوله تعالى: ({إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}) الآية، فمعناه أنما عدا الأصناف الثمانية لا نصيب لهم فيها، (ويعمل به عند أئمتنا والجمهور) كما عمل بالاستثناء، (وجعل أئمة المعاني والغزالي والباقلاني منطوقاً) فهو يدل عندهم على الإشارة كما يدل قول تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} على جواز الإصباح جنباً كما تقدم، وكذا حكم أهل المعاني بأن دلالتها وضعية، (ونفاه الآمدي والحنفية وأبو حيان) فقال: لا يفيد الحصر بمنطوق ولا مفهوم.
  لنا: على إفادتها الحصر استعمال الفصحاء في مواطن الحصر، قال الأعشى:
  ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر
  وقال الفرزدق:
  أنا الذائد الحامي الذمار وإنما ... يدافع عن حسابهم أنا أو مثلي
  ووجه الإستدلال: أن المقصود لا يحصل إلا بحصر العزة في الكاثر، وحصر الدفع فيه، وعورض ما ذكرناه بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فإنه لو أفاد الحصر لكان من لم يحصل له الوجل لا يكون مؤمناً، وليس كذلك.
(١) مابين القوسين ثابت بالتصحيح في هامش (أ)، وساقط من الأصلية.