الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [نسخ الإنشاء والخبر]

صفحة 26 - الجزء 2

  أي سواء كان مما يتغير مدلوله أو لا كما إذا قيل: أخبر بأن النار محرقة، ثُمَّ قيل: أخبر أن النار ليست محرقة بناء على أصلهم الفاسد ومذهبهم الكاسد من أنه لا حكم للعقل.

  (وإن نسخ مدلوله) أي مدلول الخبر الذي ليس في معنى الإنشاء، وهو ما يفيده من ثبوت أمر أو نفيه، (فإن كان) ذلك المدلول (مما لا يتغير) مدلوله عن حاله (كصفاته تعالى) من كونه قادراً وحياً وسميعاً وبصيراً ولا يشبه الأشياء، وكذلك صفات المخلوقين التي لا تتغير نحو: العالم محدث، (امتنع) نسخه (عند أئمتنا والمعتزلة والأشعرية)، لأنه يؤدي إلى تطرق الكذب إلى خبر الشارع، وذلك محال عليه، وقد خالفت الأشعرية هنا أصلهم في التجويز ولم يطردوه.

  (فإن كان مما يتغير كإيمان زيد وكفره) فإنه يجوز أن يسلم اليوم من كفر أمس وكذلك خلافه، فإن كان كذلك (جاز نسخه عند أئمتنا وأبي عبد الله والنحاس وأبي الحسين وبعض الأشعرية) كالبيضاوي والرازي، (وامتنع) نسخه (عند الشافعي والشيخين) أبي علي وأبي هاشم (والباقلاني وغيره من الأشعرية) كابن الحاجب ومتابعيه.

  لنا: أنه ليس في ذلك شيء من الكذب الذي لا يجوز على الله تعالى، وإنما مرجعه إلى الخبر عن الشيء بما هو عليه قبل تغيره وبعده.

  شبهة المخالف: أن نسخه يوهم الكذب، والجواب بالمعارضة كما تقدم، وأيضاً فلا نسلم ذلك، وإنما يدل على أنه أريد بالمنسوخ بعض ما تناوله كالأمر.

  قالوا: لو جاز هذا لجاز أن نقول: أهلك الله عاداً ثُمَّ نقول: ما أهلكهم، ومعلوم أنه لو قال كذلك كان كذباً.

  قلنا: إن هلاكهم لا يصح تغيره إذ يكون كذباً.

  (وعن بعض التابعين) السدي وعبد الرحمن بن أسلم وحكاه الوصابي (والخشبية) وهم المختار بن أبي عبيد وأصحابه، سموا بلك لتضاربهم في بعض الوقعات بالخشب حكاه نشوان، (جواز نسخه مطلقاً) أي سواء كان مما يتغير مدلوله أو لا، وقولهم: لا يخفى ضعفه لما يلزم من نسبة الكذب إلى الله تعالى إلا على تجويز تكليف المحال؛ لأن العلم بنهيه يستدعي معرفته.

[نسخ التكاليف العقلية]

  واختلف في جواز نسخ وجوب المعرفة وتحريم الكفر وغيره من الظلم والكذب، وقد أشار