الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ
  فارجموهما) البتة، فإنا قد قرأناها)، فهذا منسوخ التلاوة دون الحكم لأمره صلى الله عليه برجم المحصنين، رواه الشيخان وهما المراد بالشيخ والشيخة.
  لا يقال: يبعد أن يكون ما ذكر مما أنزل، لأن عذوبة القرآن وحلاوته وصفاً له وفصاحته وطلاوته غير موجودة في ذلك.
  لأنا نقول: لا يمتنع أن يكون ذلك ثابتاً فيه، وإنما ارتفع عنه بالنسخ.
  قالوا: يلزم من نسخ التلاوة دون الحكم ثبوت مدلولٍ بلا دليل وأنه لا يجوز.
  قلنا: لا يلزم ما ذكرتم من نسخ التلاوة دون الحكم؛ لأن نسخ التلاوة وحدها نسخ لدوامها وهو غير الدليل، فلا يلزم انفكاك الدليل، ولا نسلم وجوب استمرار الدليل فإن المعجز قد تقدم ومدلوله وهو النبوة ثابت مستمر.
  (وفي جواز مس المحدث والجنب له خلاف،) فقال ابن الحاجب: الأشبه الجواز، وقال الآمدي: الأشبه المنع والذي يقتضيه القواعد ما قاله ابن الحاجب؛ لأنه ليس بقرآن إجماعاً.
  (والمختار: أن نسخ بعض أحكام الآية ليس بنسخ لجميعها خلافاً لبعض الأصوليين) فقال: إن نسخ بعض أحكامها نسخ لها، فلا يجوز الاحتجاجُ بها، قال الإمام: وهذا فاسد.
  ومثاله: استدلال القاسمية على وجوب النفقة للمتوفى عنها زوجها أخذاً من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}[البقرة: ٢٤٠]، فنَسْخُ الحول لا يدل على نسخ المتاع، فإذا كان الحول منسوخاً لأربعة الأشهر فلا وجه لنسخ النفقة، بل هي واجبة بنص الآية، ومن أسقطها فإنما يسقطها بدليل آخر كما هو رأي الفقهاء والمؤيد بالله لا من جهة أن بعض أحكام الآية منسوخة فيجب نسخ جميعها، وكاستدلال أصحابنا والشافعي على كون المهر يجوز أن يكون منفعة الحر بقوله تعالى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} فإذا نسخ كون المهر للأب كانت الآية حجة فيما وراءه ولم يكن نسخ بعضها نسخاً لجميعها كما زعموا.
  (و) اعلم أنه إذا أوجب الشارع حكماً ثُمَّ نسخ وجوبه فيجوز الإقدام عليه عملاً بالبراءة الأصلية، ولكن الدليل الدال على الإيجاب قد كان دالاً على الجواز، فدلالته على الجواز هل هي باقية أم زالت بزوال الوجوب، والمختار (أن نسخ الوجوب لا ينسخ الجواز كالوصية للوارث) فإنه قد نسخ وجوبها بما