(فصل): [في نسخ السنة]
  الأول مسلم، ولكن ذلك المعنى لا يكون بقاؤه بعد زوال الوجوب؛ لأن مسمى رفع الحرج عن الفعل لا يدخل في الوجوب إلا مقيداً، وإنما يكون حصوله مقيداً إما بقيد إيجاب الحرج بالترك كما في الوجوب، وأما بقيد رفع الحرج عن الترك كما في المندوب، فلا بد من لزوم أحد هذين القيدين، وأمَّا الثاني فممنوع؛ لأن الجواز بمعنى رفع الحرج عن الفعل والترك منافٍ للوجوب الذي لا يتحقق ماهيته إلا مع الحرج على الترك، وإذا كان منافياً لم يكن جزء من ماهية الواجب كما زعمتموه، فثبت أن المقتضي للوجوب لا يكون مقتضياً للجواز بهذا المعنى.
  لأنا نقول: الجواز الذي أردناه بكونِه جزءاً من ماهية الوجوب هو الجواز بالمعنى الأول.
  قوله: إنه لا يتقدر إلا مع أحد القيدين.
  قلنا: هذا مسلم، لكن الناسخ للوجوب لما رفع الحرج عن الترك فقد حصل بهذا الدليل الناسخ زوال الحرج عن الترك، وقد نفى أيضاً القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو رفع الحرج عن الفعل، وهذا هو الذي يريده بالجواز، فيحصل من مجموع القيدين زوال الحرج عن الترك وعن الفعل معاً، وذلك هو المندوبُ أو المباح، فظهر بما ذكرنا أن الأمر إذا لم يبق معمولاً به في الوجوب بقي معمولاً به في الجواز، والله أعلم.
(فصل): [في نسخ السنة]
  (ويجوز نسخ قوله ÷ بقوله: فالمتواتر والآحادي بمثلهما) أي المتواتر بالمتواتر، والآحادي بالآحادي.
  والأول: ظاهر لاستوائهما في الجنس وكونهما قاطعين.
  والثاني: كثير الدور في السنن المنقولة لاستوائهما في الجنس وكونهما ظنيين، ومثَّل صاحب الجوهرة نسخ السنة المعلومَة بمثلها بالمتعة، فإنها كانت جائزة بالسنة ثُمَّ نسخت بها، ومثل قوله ÷ «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» فإنها نسخت بالأذن، وفي الكلام في الصلاة فإنه كان جائزاً في بدء الإسلام، ثُمَّ نسخ بقوله ÷ «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما الصلاة التسبيح والتهليل وقراءة القرآن».