الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  قالوا: قد نقل عن كثير من الصحابة الإنكار للقياس وذم العاملين عليه، ولم يظهر من أحد منهم نكير لذلك الذم، وفي هذا دلالة على بطلان العمل على القياس.
  بيان ذلك: ما روي عن الوصي وعثمان أنهما قالا: (لو كان الدين بالقياس لكان باطن الخف أولى بالمسح)، وعن ابن عمر أنه قال: (السنة ما سنه الرسول صلى الله وآله وسلم، لا تجعلوا الرأي سنة للمسلمين)، وعن ابن مسعود أنه قال: (إذا قلتم في دينكم بالقياس أبطلتم كثيراً مما حرم الله وحرمتم كثيراً مما أحل الله)، وعن أبي بكر أنه لما سئل عن الكلالة قال: (أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي)، وعن عمر أنه قال: (إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا)، وعن ابن عباس: (إن الله لم يجعل لأحد أن يحكم برأيه قال تعالى {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} ولم يقل: بما رأيت)، وقال: (إياكم والقياس فما سجد للشمس إلا بالمقاييس).
  قلنا: إنما كان هذا الذم في البعض لكونه في مقابلة النص، ولعدم شرائط القياس، وشيوع الأقيسة الكثيرة بلا إنكار مقطوع به مع الجزم بأن العمل كان بها لظهورها لا لحصوياتها.
  (و) اعلم أن هذا القول (هو رأي الإمامية وادعوا إجماع العترة على ذلك) فقالوا: كما يعلم قطعاً بالصورة أن مذهب الفقهاء كأبي حنيفة والشافعي ومالك القول بالقياس، فنحن نعلم قطعاً بالصورة أن مذهب أهل البيت كالباقر والصادق وغيرهما إنكار القياس، وقد تقدم في باب الإجماع أن إجماعهم حجَّة.
  (و) ادعاؤهم للإجماع من العترة (هو غير صحيح):
  أمَّا أولاً: فلأن هذا من روايات الإمامية ولفيفهم، فلا يلتفت إليه، فإن دأبَهم أنَّهم إذا رووا رواية شاذة عولوا عليها، فلا سبيل إلى ترك القواطع اليقينية والمسائل العلمية عملاً على هذه الروايات النادرة، ومن هذه حاله فليس له بصيرة في الدين فضلاً عن أن يعد من العلماء الراسخين.
  وأمَّا ثانياً: فأكثر أهل البيت قائلون بالقياس وعاملون عليه، ولو ادعينا إجماعهم على العمل بالقياس لكنا أسعد ممن يدعي من الإمامية إجماعهم على رده وإنكاره، وكيف لا وأمير المؤمنين # - وهو المعلم الأول - لا يخفى عمله على القياس وتقرير قواعده، كما نقل عنه في كثير من القضايا التي لا نص فيها من كتاب ولا من سنة، ولكنه أجمل فيها رأيه، وهكذا غيره من الأئمة