الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  السابقين، وذلك غير خاف على الفطن في تصرفاتهم الفقهية، ومضطرباتهم الاجتهادية في مسائل التحليل والتحريم، فمن القدماء كعلي بن الحسين، وولده زيد بن علي، ومحمد بن عبد الله وأخويه إدريس وإبراهيم وغيرهم، ومن المتأخرين كالهادي والناصرين والسيدين والأخوين والمنصور بالله $، فإن لهؤلاء في تقرير القياس وإيضاح معالمه اليد البيضاء، ومن أراد ذلك والإطلاع على مصداق هذه المقالة فعليه بالمجري للسيد الإمام أبي طالب، وبكتاب الصفوة للإمام المنصور بالله، فإنه يجد فيهما تفصيلاً لمجمله، ومفتاحاً لمقفله، وتقريراً لقواعده، وإشارة لأصوله ومعالمه، ولقد اختص الإمام المنصور بالله بإيراد أدلة إثبات القياس وتحصيلها، وجميع مقالات المنكرين وردها وتفصيلها، وأفرد على كل واحدٍ من هذه المقالات كلاماً يخص قائلها، وبدله على هيئة في الرد والتقرير، بحيث إذا طلع عليه الناظر، وفكر فيه المفكر، وسلم طبعه عن الحسد، وخلع عن عنقه رتبة الهوى، علم قطعاً أنه كلام من أحاط علماً بحقائق الأصول وخفيها، وتقدم في معرفة المذاهب مستولياً على واضحها وجليها، فلو كان لأئمتنا ممن سبق أو تأخر مقالة في رد القياس وإنكاره لنقلها ولردها بالأدلة كما فعل في غيرها، أو تأولها، فكيف يقال بأن أحداً من الأئمة السابقين أنكر القياس وجحده؟ حاشا وكلاَّ، ومن قعد به العجز، أو تأخرت به همته عن الاطلاع على كلامهم في الأصول وحقائقها فعليه بالوقوف على أوضاعهم الفقهية، ومضطرباتهم الاجتهادية، إمَّا في العبادات كالصلاة والزكاة والحجّ وغير ذلك من مسائل العبادات، وإمَّا في المعاملات كالبيع والشراء والإجارة والأنكحة والكتابة والاستيلاد وغير ذلك من الأبواب الفقهية، فإنَّه يعلم بذلك إكتابهم على تحصيل أكثر المسائل بالأقيسة المعنوية، وتعليقها بالأوصاف الشبهية، وما يجري في أثناء المحاورات ومكالمة الخصوم، ومن رد أقيستهم وإبطال جوامعهم في المسائل إنما كان لضعف تلك الأقيسة، لا من حيث إنكارهم لقواعد القياس وأصله، وكيف ينكره منهم وهو قائل به وعامل عليه، وعليه عمدته فيما يطلبه من تحصيل الحكم الشرعي، ومن أعظم أئمتنا في مكالمة الخصوم وأكثرهم غوصاً وتبحراً في العلوم السيد الإمام أبو طالب فإنه شاد أقيسة مسائل المذهب وبناها، وهدَّ من أقيسة المخالفين بالاعتراض وحل عراها، مقارعة بالأسلحة النظرية، وملاحظة للزوم المضائق الجدلية، فمن هذه حاله كيف يقال إنه منكر للقياس، هذا لا يتسع له عقل أصلاً.