الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
  للحكم دون هذا، ولا معارض في الفرع أقوى يقتضي خلاف ذلك الحكم، وشيء من ذلك غير معلوم فيما ذكرتم من الصور.
  وأما الجمع بين المختلفات: فلجواز اشتراك المختلفات في أمر جامع هو العلة للحكم في الكل، فإن المختلفات لا تمنع اشتراكها في صفات ثبوتية وأحكام.
  وأيضاً فيجوز اختصاص كلٍّ بعلة تقتضي حكم الآخر، فإن العلل المختلفة لا يمتنع أن توجب في المحال المختلفة حكماً واحداً.
  (وقيل) ممتنع (في كل شرع وهو رأي الإماميَّة) قالوا: (لأن الأحكام الشرعية لا تعرف بالعقل) لأنها مصالح والعقل لا يهتدي إليها.
  وأيضاً: إنما طريقها السمع لأنَّها إنما تعرف من الإمام كما تقدم لهم في أنه لا يصح انفراد التكليف العقلي عن السعي.
  قلنا الجواب عن الأول: أنها كذلك في أصل شرعها، ويجوز من الشارع أن يعرف الوجه الذي شرعت لأجله في بعضها فنقيس عليها ما وجد فيه مثل ذلك الوجه، إذ العقل يقتضي حسن ذلك.
  وعن الثاني: أن ذلك بناء على أصل موهوم، بطلانه ظاهر معلوم.
  قالوا: (ولأن طريقه) أي القياس (الظن، وهو يحتمل الخطأ)، والعقل لا يجوز ورود الشرع بما يحتمل الخطأ.
  [ولا نعني بعدم جوازه عقلاً إلا ذلك.
  قلنا: معنى منع العقل، أن العقل مرجح للترك على ما لا يؤمن فيه الخطأ، والمدعى هو الإحالة، فهو نصب للدليل في غير محل النزاع، ولو سلم أن منعه إحالة لذلك الحكم في الجملة، فلا نسلم أن منعه ثابت في جميع الصور، فإنه مختص بما لا يغلب فيه جانب الصواب.
  وأما إذا كان الخطأ مرجوحاً، فلا، فإن المظان الأكثرية لا تترك بالإحتمالات الأقلية، وإلا لبطلت الأسباب الدنيوية والأخروية، إذ ما من سبب منها إلا وهو يجري فيه ذلك، فإن الزراع لا يزرع بيقين أن يأخذ الزرع، والتاجر لا يسافر ووهو جازم بأن يربح، والمتعلم لا يبحث في تعلمه وهو يقطع بأنه يعلم ويثمر علمه، إلى غير ذلك، بل العقل يوجب العمل عند ظن الصواب،