الخامس: أنه لا يكون فعلا تابعا لفعل
  تلاقوا جِيَاداً لا تَحِيدُ عَنِ الْوَغَى ... إِذَا مَا غَدَتْ فِي المأزِقِ الْمُتَدَانِي
  تَلاقُوهُمُ فَتَعْرِفُوا كَيْفَ صَبْرُهُمْ ... عَلَى مَاجَنَتْ فِيهِمْ يَدُ الْحَدَثَانِ
  وهذا الفرق إنّما هو على ما ذهب إليه ابنُ الطّراوة من أن عطف البيان لا يكون من لفظ الأول؛ وتبعَهُ على ذلك ابن مالك وابنُه، وحُجَّتُهم أن الشيء لا يُبَيِّن نفسه؛ وفيه نظر من أوجه:
  أحدها: أنه يقتضي أن البدل ليس مبيناً للمبدل منه، وليس كذلك، ولهذا منع سيبويه «مَرَرْتُ بي المسكين» وبك المسكين دون «به المسكين»، وإنما يفارق البدل عطف البيان في أنه بمنزلة جملة استؤنفت للتَّبيين، والعطفُ تبيين بالمفرد المحض.
  والثاني: أن اللفظ المكرَّر إذا اتصل به ما لم يتصل بالأول كما قدمنا اتجه كونُ الثاني بياناً بما فيه من زيادة الفائدة؛ وعلى ذلك أجازوا في نحو قوله [من الرجز]:
  قصيدة لبعض بني مازن من شعراء الخماسة وبعد البيت:
  عليها الكماة الغر من آل مازن ... ليوث طعان عند كل طعانِ
  مقاديم وصالون في الروع خطوهم ... بكل رقيق الشفرتين يمانِ
  إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم ... لأية حرب أو لأي مكان
  وفي قوله وصالون خطوهم قلب لأن السيف إذا قصر وصل بخطوة أقدام. قوله: (في المأزق) أي: المضيق والشاهد في تلاقوا الثاني والثالث فإنه بدل من الأول. قوله: (تلاقوهم الخ) من الطويل لكن دخلة القبض تلاقوا فعلون همو فتح مفاعلن رفعوا كي فعولن فصبرهم مفاعلن قوله: (وفيه) أي: في هذا القول نظر. قوله: (إن البدل ليس مبنياً للمبدل منه) أي: لأنهم منعوا في البيان أن يكون بلفظ الأول لأن الشيء لا يبين بنفسه، وجوزوا والبدك كونه بلفظ الأول فمفاد كلامهم أن البدل لا بيان فيه. قوله: (وليس كذلك) أي: لأن فيه بياناً للمبدل منه وقوله ولهذا أي لأجل كونه فيه بيان قوله: (مررت بي المسكين) أي: لأن المسكين أقل تعريفاً من الضمير وما كان أقل تعريفاً لا يكون بدلاً لأنه ليس فيه بيان والبدل لا بد أن يكون فيه بيان وضمير الغيبة وإن كان كذلك لكن لما كان الضمير في حد ذاته مبهماً لصدقه بمتعدد وكان المحلى أقل إفراداً لأن أل فيه للعهد. البيان فيه. قوله: (دون به المسكين) أي: لصدق ضمير الغيبة على متعدد بخلاف المتكلم ومن يوجه إليه الخطاب. قوله: (بمنزلة جملة استؤنفت الخ) أي: لأنه على نية تكرار العامل ويلزم في نحو مررت بزيد أخيك إعمال الجار محذوفاً. قوله: (والثاني) أي: من أوجه النظر الثلاثة. قوله: (بما فيه) أي: بسبب ما فيه من زيادة الفائدة إذ لا معنى للبيان إلا التوضيح بزيادة الفائدة فالحق أنه لا فرق بين البدل والبيان في أنه إن اتصل اللفظ الثاني بما لم يتصل بالأول صح كونه بياناً وبدلاً وإلا فلا يصح أن يكون واحد منهما. قوله: (وعلى ذلك)