في رفعه إخلاء تعطي من مفعوله لفظاً وتقديراً، والجر أقرب إلى الصواب قليلاً، وإنما حق الإعراب والمعنى النصب، وعلى الرفع فيحتاج إلى تقدير ضمير راجع إلى المبدل منه، أي رئمانُ أنف له.

  والضمير في «بفعلهم» لعامر، لأن المراد به القبيلة، و «من» بمعنى البدل مثلها {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ}⁣[التوبة: ٣٨]، وأنكر ذلك بعضهم، وزعم أن «من» متعلّقة بكلمة البدل محذوفة.

  ونظير هذه الحكاية أن ثعلباً كان يأتي الرياشي ليسمع منه الشعر، فقال له الرياشي يوماً: كيف تروي «بازل» من قوله [من الرجز]:

  ٥٨ - مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الْعَوانُ مِنّي ... بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيث سني

  المعنى في البيت ممكن قوله: (أقرب إلى الصواب) أي: لأن العطية عليه مذكورة في البيت، وذلك لأن به متعلق بتغطي بمعنى تسمح فهي مفعوله ورئمان مبدل من به والمبدل من المفعول مفعول فحينئذ يكون الرئمان هو العطية.

  قوله: (قليلاً) إنما جاءته القلة؛ لأن المتبادر من البيت أن الإعطاء على حقيقته وهي على هذا الوجه بمعنى يسمح فالتضمين أضعف الأمر. قوله: (وإنما حق الخ) مبتدأ قوله النصب خبر. قوله: (أي رئمان أنف له) هذا بناءً على أنه بدل اشتمالة وأن ما واقعة على البو، ولا بتعين بدليته بذلك، بل يجوز أن يكون بدل من كل وما واقعة على الحنو والعطف فلا يحتاج لتقدير رابط قوله: (لأن المراد به القبيلة) لو قال المراد به الحي لكان أحسن؛ لأن عامراً في البيت مصروف باعتبار إرادة الحي ولو أراد به الشاعر القبيلة لمنعه من الصرف. قوله: (ومن بمعنى البدل) أي: من في قوله من الحسن. قوله: (وأنكر بعضهم ذلك) أي: إتيان من بمعنى بدل قوله: (ونظير الخ) أي: نظيرتها في كون المجيب نحوياً يتبجحها أجاب لغوياً لتثليث قوله: (الرياشي) بكسر الراء وتخفيف المثناة التحتية وبالشين المعجمة نسبة لرياش رجل من أجذم كان أبوه مملوكاً له. قوله: (من قوله) أي: الشاعر وهو أبو جهل قال هذه الأبيات يوم بدر قوله: (ما تنقم) أي: تكره

٥٨ - التخريج: الرجز لعلي بن أبي طالب في (ديوانه ص ١٩٢؛ ولسان العرب ١٢/ ٥٩٠ (نقم)؛ ولأبي جهل في جمهرة اللغة ص ٦١٦ وخزانة الأدب ١١/ ٣٢٥؛ وشرح شواهد المغني ١/ ١٤٧؛ ولسان العرب ١١/ ٥٢ (بزل)، ٢١/ ١٣ (سنن)، ١٣/ ٢٩٩ (غون) وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦/ ١٩٧؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٩٦٠؛ والمقتضب ١/ ٢١٨؛ والممتع في التصريف ٢/ ٦٩٦).

اللغة: الحرب العوان: التي قوتل فيها غير مرة. نقم منه: كرهه أشدّ الكراهية. البازل: البعير الذي ظهر نابه، ويكون عادة في سنته التاسعة؛ وبازل عامين؛ أي مضى على ظهور نابه عامان. =