الجهة الأولى:
  بالمصدر وأضيف للفاعل المقلوب عن المفعول، وانتصب كلباً على المفعول المقلوب عن الفاعل.
  وها أنا مُورِدٌ بعون الله أمثلة متى بُني فيها على ظاهرِ اللفظ ولم يُنظر فِي مُوجَب المعنى حصل فساد وبعض هذه الأمثلة وقع للمعربين فيه وهم بهذا السبب، وسترى ذلك معيناً.
  فأحدها: قوله تعالى: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ}[هود: ٨٧] فإنه يتبادر إلى الذهن عطف {أَنْ نَفْعَلَ} على {أَنْ نَتْرُكَ}، وذلك باطل؛ لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون، وإنما هو عطف على «ما»؛ فهو مَعْمُول لـ «الترك» والمعنى: أن نترك أن نفعل، نعم مَنْ قرأ «تَفْعل» و «تشاء» - بالتاء لا بالنون - فالعطف على {أَنْ نَتْرُكَ}.
  وموجب الوهم المذكور أن المُعرب يرى «أنْ» والفعل مرتين، وبينهما حرف العطف.
  ونظير هذا سواء أن يتوهم في قوله [من الكامل]:
  لَنْ مَا رَأَيْتُ أَبَا يَزيدَ مُقَاتِلاً ... أَدَعَ الْقِتَالَ وَأَشْهَدَ الْهَيْجَاءَ
  أن الفعلين متعاطفان، حين يَرَى فعلين مضارعين منصوبين، وقد بَيِّنْتُ في فصل «لَمّا» أن ذلك خطأ، وأن «أدع» منصوب بـ «لَنْ»، وأشهد معطوف على القتال.
  يخالف ذلك لأنه يفيد أننا بالغنا في المفعول فجعل فاعلاً وفي الفاعل فجعل مفعولاً وهو بعيد فالأحسن ما قلناه قوله: (وأصله) أي: بعد القلب قوله (المقلوب عن الفاعل) أي: في الإعراب. قوله: (وها أنا الخ) في حواشيه على التسهيل أن دخول ها التنبيه على الضمير الذي لم يخبر عنه باسم الإشارة شاذ قوله: (لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون) أي: وإنما أمرهم بفعل ضد ما يفعلونه في أموالهم فكانوا لا يوفون الكيل ولا الميزان، فقال أوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس وأدوا الزكاة.
  قوله: (من قر أتفعل وتشاء بالتاء) هي قراءة ابن أبي عبلة قوله: (فالعطف على أن نترك) أي: أصلواتك تأمرك أن تترك وان تفعل في أموالنا أي فكأنه لما أمرهم بضد ما يفعلونه في أموالهم كأنه هو الذي يفعل فيها ما يشاء. قوله: (وموجب الوهم) أي: المشار له بتبادر الذهن. قوله: (مرتبين) في نسخة مرتين. قوله: (خطأ) أي: لأنه إذا كان الفعلان متعاطفين كان كل من الفعلين منفياً بل فيكون المعنى لا أدع القتال وأحضر الهيجاء وهذا تناقض لأن الهيجاء هي القتال فأول الكلام يقتضي ملازمته لها وآخر الكلام يقتضي عدم حضوره لها والمخلص منه ما ذكره المصنف. قوله: (معطوف على القتال) أي: فهو