حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الأولى:

صفحة 185 - الجزء 3

  فإن المتبادر تَعَلُّق «بُعَيْدَ الْكَرَى» بـ «جاد»، والصوابُ تعلقه بما في «ثلج» من معنى «بارد»، إذ المراد وَضفُها بأن ريقها يوجَدُ عقب الكرى بارداً، فما الظن به في غير ذلك الوقت؟ لا أنه يتمنى أن تجود له به بعيد الكرى دون ما عَدَاهُ من الأوقات، و «اللوح» - بفتح اللام - العطش.

  الخامس: قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}⁣[الصافات: ١٠٢] فإن المتبادر تعلق «مع» بـ «بلغ»؛ قال الزمخشري: أي فلما بلغ أن يَسْعَى أبيه في أشغاله وحوائجه، قال: ولا يتعلّق «مَعَ» بـ «بلغ» لاقتضائه أنهما بلغَا معاً حدّ السعي؛ ولا بـ «السعي»، لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه، وإنما هي متعلقة بمحذوف على أن يكون بياناً، كأنه قيل: فلما بلغ الحد الذي يقدرُ فيه على السعي، فقيل: مَعَ مَنْ؟ فقيل: مع أعْطَفِ الناس عليه وهو أبوه، أي أنه لم يستحكم قوته بحيث يسعى مع غير مُشْفِق.

  السادس: قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}⁣[الأنعام: ١٢٤] فإن المتبادر أن حيث ظرف مكان لأنه المعروف في استعمالها؛ ويرده أن المراد أنه تعالى


  قوله: (عقب الكرى) أي: النوم. قوله: (فما الظن به في غير ذلك الوقت) أي: لأنه إذا كان بارداً بعد النوم الذي الشأن أن يكون بعده سخناً فمن باب أولى غيره. قوله: (به) أي: بالريق. قوله: (قال الزمخشري الخ) علة لمحذوف أي وليس كذلك لأنه قال الزمخشري الخ. قوله: (أي فلما بلغ أن يسعى مع أبيه) هذا بيان لحاصل المعنى لا أنه محل إعراب وأن متعلق بالسعي المذكور. قوله: (لاقتضائه الخ) وجه الاقتضاء أن المعية تشعر باستحداث المصاحبة في الزمن وقد قيل الفعل بها فيجب الاشتراك فيها أي بلغ مع إبراهيم حد السعي مع ان إبراهيم بلغ حد السعي قبل ولده وهذا بخلاف قوله تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ}⁣[النمل: ٤٤] فإن متعلقة بأسلمت هو صحيح لأن إسلام سليمان ممتد فالمتأخر يصاحب المتقدم، وأما بلوغ حد السعي لا امتداد فيه. قوله: (حد السعي) أي: الطرف الأول من السعي ولا شك أن إبراهيم حصل له أول السعي وهو القدرة على فعل الأمور التي تصدر من الرجال قبل وجود إسماعيل فلم يشتركا في أول السعي بل أول سعي إبراهيم متقدم قوله: (لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه) وبعضهم كالسعد توسع في الظروف مثل هذا قوله: (وإنما هي الخ) أي: وحينئذ تكون الجملة معترضة بين الفعل والمفعول.

  قوله: (متعلقة بمحذوف) أي: بسعي محذوف يدل عليه المذكور وقوله على أن يكون أي المحذوف بياناً أي استئنافاً بيانياً فكأنه قيل فلما بلغ أن يسعى فقيل مع من يسعى فقيل مع أبيه أي مع أشفق الناس إليه وهو الأب وفيه إشارة إلى أن الأمر بذبحه كان في صغره قبل استحكامه السعي اهـ تقرير دردير.