حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الأولى:

صفحة 188 - الجزء 3

  قَالُوا}⁣[البقرة: ٢٤٦]، فإن المتبادر تعلّق «إذ» بفعل الرؤية، ويفسده أنه لم ينته علمه أو نظره إليهم في ذلك الوقت، وإنما العامل مضاف محذوف، أي: ألمْ تَرَ إلى قصتهم أو خَبَرهم، إذ التعجب إنما هو من ذلك، لا من ذواتهم.

  العاشر: قوله تعالى: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً}⁣[البقرة: ٢٤٩]، فإن المتبادر تعلق الاستثناء بالجملة الثانية، وذلك فاسد، لاقتضائه أن مَنْ اغترف غرفة بيده ليس منه، وليس كذلك، بل ذلك مباح لهم، وإنما هو مستثنى من الأولى؛ ووهم أبو البقاء في تجويزه كونه مستثنى من الثانية؛ وإنما سَهُلَ الفَضلُ بالجملة الثانية لأنها مفهومة من الأولى المفصولة، لأنه إذا ذكر أن الشارب ليس منه اقتضى مفهومه أن من لم يطعمه منه، فكان الفصل به كلا فضل.

  الحادي عشر: قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}⁣[المائدة: ٦]، فإن المتبادر تعلق «إلى» بـ «اغسلوا»، وقد رده بعضُهم بأن ما قبل الغاية لا بد أن يتكرر قبل الوصول إليها تقول: «ضَرَبْتُه إلى أن مات» ويمتنع «قَتَلْتُهُ إلى أن أمات»،


  علمك أو نظرك إلى الجماعة الكائنة من بني إسرائيل وقوله من بعد موسى أي من بعد موته، وقوله إذ قالوا لنبي لهم وهو شمويل وقوله ابعث أي أقم لنا ملكاً يقاتل في سبيل الله أي نقاتل معه في سبيل الله فتنتظم كلمتنا ونرجع إليه قوله: (إنه لم ينته) أي: لم يصل علمه فأخذ الانتهاء من إلى لأن مدلولها الانتهاء أي لم ينته العلم إليهم إذا جعلت ترى علمية وقوله أو نظره أي إذا جعل ترى بصرية.

  قوله: (إنه لم ينته علمه) أي: المخاطب وهو النبي ، وقوله إليهم أي لهؤلاء الجماعة الكائنين من بني إسرائيل، وقوله في ذلك الوقت أي وقت قولهم لنبيهم ابعث لنا ملكاً وإنما لم يصل له علمهم في ذلك الوقت لأنه لم يكن في ذلك الوقت موجوداً وإنما وجد بعد ذلك قوله: (أي ألم تر إلى قصتهم) أي: ألم ينته علمك إلى قصتهم في ذلك الوقت. قوله: (إنما هو من ذلك) أي: من قصتهم ومن خبرهم. قوله: (فمن شرب منه) أي: مائه على وجه الشبع والكرع. قوله: (إلا من اغترف) أي: إلا من شرب شرباً لطيفاً بأن اغترف بيده قوله: (ليس منه) أي: ليس من أصحابه الممتثلين لأمره. قوله: (بل ذلك) أي: الاغتراف قوله: (وإنما سهل الفصل الخ) هذا راجع لقوله وإنما هو مستثنى من الأولى. قوله: (ما قبل الغاية) أي: وهو الحدث كالضرب والغسل. قوله: (أن يتكرر) اعلم أن التكرار أمران الأول أن يحصل الحدث شيئاً فشيئاً والثاني أن يتكرر بحسب أجزاء المحل فالأول نحو ضربته إلى أن مات والثاني غسلت يدي من أصبعي إلى المنكب فالغسل يتكرر باعتبار أجزاء المحل أي غسلت جزءاً بعد جزء إلى أن وصلت إلى المنكب إذا علمت هذا تعلم أن محط النفي في قول المصنف لا يتكرر قبل الوصول إلى المرقق هو