ومن ذلك قول المتنبي [من الوافر]:

  ٥٩ - أُحَادٌ أمْ سُداس في أُحادِ ... لُيَيْلَتُنَا الْمَنُوطَةُ بِالتَّنَادِ؟

  فإن قَدَّرْتَها فيه متصلة فالمعنى أنه استطال الليلة فشك: أواحدة هي أم ست اجتمعت في واحدة فطلب التعيين، وهذا من تجاهل العارف كقوله [من الطويل]:

  ٦٠ - أَيَا شَجَرَ الْخَابُورِ مَالَكَ مُورِقاً؟ ... كَأَنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ عَلَى ابنِ طَرِيفِ

  وعلى هذا فيكون قد حذف الهمزة قبل «أحاد» ويكون تقديم الخبر وهو على المبتدأ وهو «أحاد» على المبتدأ وهو «لييلتنا» تقديماً واجباً؛ لكونه المقصود بالاستفهام مع «سُداس»؛ إذ

  قوله: (المنوطة) أي: المتعلقة. قوله: (بالتناد) أي: بيوم التناد المراد به يوم الرحيل وسوق الخيل للأعداء لتنادي الأحبة فيه قوله: فإن (قدرتها) أي: أم. قوله: (فشك أواحدة) هذه الجملة الاستفهامية في محل مفعول مقيد بالجار وشك معلق عن العمل إذ هو فعل قلبي والمعنى فشك في وحدتها وتعددها بهذا العدد الخاص. قوله: (كقوله) الأحسن أن يقال كقولها؛ لأن الشعر لامرأة وهي ليلى بنت طريف الخارجية ترثي أخاها الوليد حيث قتله يزيد الشيباني ووجه التذكير أنه أراد بمرجع الضمير قول من قال. قوله: (ما لك) أي: أي شيء ثبت لك في حال كونك مورقاً ولم تجزع، وقوله: كأنك مما يقوي التجاهل، وإنما كان تجاهلاً لأنها تعلم قطعاً أن الشجر لم يجزع على من مات فاستفهمت عنه تجاهلاً، وقوله أيا شجر الخابور: الخابور موضع بناحية الشام. قوله: (تقديماً واجباً) الذي نص عليه سيبويه في الكتاب أن ذلك أولى لأوجب ونص عليه ابن عصفور في المقرب وذكره الرضي أيضاً، والحاصل أن الوجوب إنما هو عند علماء المعاني وأما عند

٥٩ - التخريج: البيت للمتنبي في (ديوانه ٢/ ٧٤؛ وأمالي ابن الحاجب ٢/ ٦٧٦).

اللغة: لييلتنا: تصغير ليلتنا. المنوطة: المتعلقة. التنادي: تبادل النداء وتكراره؛ ويوم التنادي، هو يوم القيامة.

المعنى: يستسفر المتنبي عن ليلته التي طالت أتراها ليلة واحدة، أم ست ليال اجتمعت فيها، فصارت وكأنها مربوطة. بيوم القيامة.

٦٠ - التخريج: البيت لليلى بنت طريف في (الأغاني ١٢/ ٨٥، ٨٦؛ والحماسة الشجرية ١/ ٣٢٨؛ والدرر ٢/ ١٦٣؛ وشرح شواهد المغني ص ١٤٨؛ ولليلي أو لمحمد بن بجرة في سمط اللآلي ص ٩١٣؛ وللخارجيَّة في الأشباه والنظائر ٥/ ٣١٠؛ وبلا نسبة في لسان العرب ٤/ ٢٢٩ (خبر)؛ وهمع الهوامع ١/ ١٣٣).

اللغة الخابور نهر في شمال سوريا. المورق كثير الورق تجزع: تخاف وتحزن. ابن طريف: هو الوليد بن طريف التغلبي، من قادة الخوارج.

المعنى: عجيب أن تظل محتفظاً بأوراقك يا شجر الخابور، ولو عرفت أن الوليد بن طريف التغلبي قد مات لحزنت وخفت وفارقتك أوراقك حزناً عليه.