حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة الرابعة

صفحة 222 - الجزء 3

  «عَلَيْهِ رَجُلاً لَيْسَنِي»، أي: ليلزم غيري، والذي فَسَّرَتْ به عائشة، ^، خلاف ذلك، وقصتها مع عروة بن الزبير، رضي الله تعالى عنهم، مسطورة في صحيح البخاري، ثم الإيجاب لا يتوقف على كون {عَلَيْهِ} إغراء، بل كلمة على تقتضي ذلك مطلقاً.

  وأما قولُ بعضهم في {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}⁣[الأنعام: ١٥١]: إن الوقف قبل {عَلَيْكُمْ} وإن {عَلَيْكُمْ} إغراء فحسن، وبه يتخلص من إشكال ظاهر في الآية مُحْوج للتأويل.


  قوله: (عليه رجلاً الخ) هذا مقول قول الرجل الذي بلغه أن إنساناً يهدده. قوله: (اختلاف ذلك) أي: خلاف كون عليه إغراء على السعي بينهما قوله: (وقصتها الخ) هي ما روي هشام عن أبيه عروة أنه قال: قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}⁣[البقرة: ١٥٨] فما على الرجل أن لا يطوف بهما قالت عائشة كلا لو كان كما تقول لكانت الآية فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما إنما نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها وهو صنم كان حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة لأنه كان على الصفا صنم يقال له أساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة يقال إنهما كانا رجلاً وامرأة زنيا في الكفر فمسخا حجرين فوضعا ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبدا من دون الله فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله عن ذلك وقالوا له أنطوف محل الأصنام فأنزل الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}⁣[البقرة: ١٥٨] فعروة رأى دلالة الآية على إباحة السعي لا على وجوبه ووجهه اقتصر في الآية على نفي الآثم في السعي ونفي الآثم يجامع فعل المطلوب فعله والمكروه والمباح، فلو كان واجباً اكتفى بذلك بل كان يذكر أخص منه وهو إثبات الأجر لأنه إذا كان للحقيقة اعتباران أحدهما عام يشملها وغيرها والآخر خاص بها فالبلاغة أن يعبر عنها بما هو خاص بها، فأما جواب عائشة فهو من بديع فقهها وذلك أن النص على عدم الوجوب أن يقال فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما لأن هذا يتضمن سقوط الإثم عمن ترك الطواف بهما وحيث لم يقل ذلك وردت الآية على ما هي عليه لم يكن نصاً في انتفاء الوجوب ثم بينت له أن الاقتصار هنا على نفي الإثم له سبب خاص وهو أنهم توقعوا الإثم فجاء الكلام منطبقاً على سؤال فقيل لهم لا إثم فيه خلافاً لما توقعتموه وكونه واجباً أو لا فشيء آخر فلم ترد عائشة الاكتفاء في إثبات الإيجاب بما ذكرته وإنما أرادت نفي دلالة الآية على كونه مباحاً وأما وجوب السعي بينهما فقد علم من السنة.

  قوله: (تقتضي ذلك مطلقاً) أي: جعلت إغراء أولاً قوله: (وبه يتخلص من إشكال الخ) الإشكال هو أن ما من قوله ما حرم موصولة وأن لا تشركوا بدل أو خبر مبتدأ