الجهة السادسة
  بدلاً وما قبله صفات، وقال: في جعله بدلاً وحده من بين الصفات نبو ظاهر.
  ومن ذلك قول الجاحظ في بيت الأعشى [من السريع]:
  ٨٠٨ - وَلَسْتَ بِالأكْثَرِ مِنْهُمْ حَصَى ... [وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلكاثِر]
  إنه يُبْطِلُ قول النحويين «لا تجتمع «أل» و «من» في اسم التفضيل»، فجعل كلاً من «ألْ» و «أن» و «من» معتدا به جارياً على ظاهره؛ والصواب أن تقدر «أل» زائدة، أو معرفة و «من» متعلّقة بـ «أكثر» منكراً محذوفاً مبدلاً من المذكور، أو بالمذكور على أنها بمنزلتها في قولك: «أنت مِنْهُمُ الْفَارِسُ الْبَطَلُ»، أي: أنت من بينهم؛ وقول بعضهم:
  صفات الثاني جعل الجميع أبدالاً والثالث جعل الأربع الأول صفات وجعل الأخير بدلاً والأولان للزمخشري والأخير للزجاج قوله: (نبو ظاهر) أي: لأنه لا موجب للتخالف بالبدلية والوصفية مع إمكان ان الكل بدل وقال اليمني يحتمل أن يكون وجه النبو هو أن هذه النكرة لو كانت بدلاً فقط لكان المبدل منه وهو المتبوع في حكم المنحى، ولما كان ما قبله وما بعده صفات لزم أن تكون في حكم المنحى وأيضاً فكونه بدلاً لا يقتضي أن يكون هو المقصود بما نسب إلى المتبوع دونه وكون ما بعده وما قبله صفات يقتضي كون المتبوع هو المقصود دونه، وأيضاً لو كان بدلاً والبدل على نية تكرار العامل لكان مع عامله أجنبياً. من الصفات اهـ كلامه. قوله: (ومن ذلك قول الجاحظ) الأولى ومن الوهم في الثاني أي في اشتراط التنكير في الحال وما بعده إذ ليس هذا من الوهم في الأمر الأول كما هو ظاهره بل من الثاني لأنه ذكر من جملة الثاني أفعل من قوله: (حصى) أي: عدداً وتمامه:
  العزة القوة والغلبة والكاثر الكثير. قوله: (جارياً على ظاهره) أي: من أن أل معرفة ومن جارة للمفضول متعلقة بالمذكور. قوله: (ومن متعلقة بأكثر منكراً محذوفاً مبدلاً مذكور) فيه أنه يلزم عليه إبدال النكرة غير الموصوفة من المعرفة وهو ممنوع. قوله: (على أنه بمنزلتها الخ) أي: فهي جارة لغير المفضول عليه والممنوع إنما هو تعلقها بأفعل مع كونها جارة للمفضول.
٨٠٨ - التخريج: البيت للأعشى في (ديوانه ص ١٩٣؛ والاشتقاق ص ٦٥؛ وأوضح المسالك ٣/ ٢٩٥؛ وخزانة الأدب ١/ ١٨٥، ٣/ ٤٠٠؛ والخصائص ١/ ١٨٥، ٣/ ٢٣٦؛ وشرح التصريح ٢/ ١٠٤؛ وشرح المفصل ٦/ ١٠٠، ١٠٣؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٣٨).
شرح المفردات الحصى: هنا العدد والأنصار العزّة الغلبة. الكاثر: الكثير العدد.
المعنى: يقول هاجياً علقمة بن علاثة: فيم تزعم أ أنك أعز من عامر، ولست بأكثر منهم عدداً، وإنما العزّة لصاحب الكثرة لأنّ الجاهليين كانوا يعتبرون أن الكثرة العددية. هي مقياس للتفاخر لما تثير في نفوس الأعداء من خوف ورعب، وفي نفوس أصحابها الشعور بالقوة والمنعة.