حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

الجهة السادسة

صفحة 301 - الجزء 3

  عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ}⁣[البقرة: ١٠٣]: إن الجملة الاسمية جواب «لو»، والأولى أن تقدر الجواب محذوفاً، أي لكان خيراً لهم، أو أن يقدر «لو» بمنزلة «ليت» في إفادة التمني؛ فلا يحتاج إلى جواب.

  ومن ذلك قول جماعة منهم ابن مالك في قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}⁣[لقمان: ٣٢]: إن الجملة جواب لـ «ما»؛ والظاهر أن الجواب جملة فعلية محذوفة، أي: انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم غير ذلك، ويؤيد هذا أن جواب «لما» لا يقترن بالفاء.

  ومن الوهم في الثاني تجويز كثير من النحويين الاشتغال في نحو: «خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ يضرِبُهُ عَمْرُو». ومن العجب أن ابن الحاجب أجاز ذلك في كافيته مع قوله فيها في بحث الظروف: وقد تكون للمفاجأة فيلزم المبتدأ بعدها. وأجاز ابن أبي الربيع في «ليتما زَيْداً أضربه» أن يكون انتصاب «زيداً» على الاشتغال كالنصب في «إنما زيداً أضربه»، والصواب أن انتصابه بـ «ليت»؛ لأنه لم يسمع نحو: «لَيْتَمَا قام زَيْدٌ» كما سُمع «إنما قام زيد».


  قوله: (ان الجملة الاسمية جواب لو) أي: وهو وهم لأن لو جوابها كشرطها لا يكون إلا جملة فعلية قوله: (أن يقدر الجواب محذوفاً) أي: لأن جواب لو لا يكون إلا فعلية. قوله: (بمنزلة ليت في إفادة التمني) أي: وعليهما فاللام في لمثوبة موطئة للقسم. قوله: (إن الجملة) أي: الاسمية جواب لما وهو وهم؛ لأن جواب لما وشرطها لا يكونان إلا جملتين فعليتين. قوله: ويؤيد هذا أي: كون الجواب محذوفاً فمنهم مقتصدان جواب الخ. قوله: (في الثاني) يزيد بالثاني اشتراط الجملة الاسمية في بعض المواضع. قوله: (الاشتغال) أراد بالاشتغال النصب بإضمار فعل على شريطة التفسير، وإنما كان هذا وهماً لأن إذا الفجائية لا يليها إلا الجملة الاسمية على الأصح قوله: (ومن العجب الخ) هذا الاعتراض متوجه عليه، وقد حاول ابن الحاجب التقصي عنه بما لا يظهر فقال وكان قياس وقوع المبتدأ والخبر بعد إذا المفاجأة أن يمتنع النصب فيما أضمر عامله إذا وقع بعدها كقولك فإذا عبد الله يضربه عمرو؛ لأن لزوم وقوع المبتدأ والخبر مناف للنصب ولكنهم جوزوا النصب على خلاف هذه القاعدة نظراً لصورة المبتدأ أو الخبر، أي: أنه لما كان بعد إذا مبتدأ أو خبر والخبر مشتغل عن المبتدأ بضميره أجرى هذا الكلام مجرى غيره مما لم يقع بعد إذا الفجائية نحو زيد ضربته فكما جاز النصب في ذلك جاز في هذا وكأنهم قطعوا النظر عن إذا وروعي مجرد صورة المبتدأ والخبر فجواز النصب إنما نشأ عن قطع النظر عن إذا ولا يخفى أن قطع النظر عما هو موجود مراد إلغاء لما حقه عدم الإلغاء فالنصب الناشيء عنه يكون باطلاً قوله: (لأنه لم يسمع الخ) أي: لأن ما لا تكف ليت عن الاختصاص بالأسماء بخلاف إن فإن ما أزالت اختصاصها.