حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

باب كيفية التقدير

صفحة 380 - الجزء 3

  الناصبُ فيه للقوانس فعل محذوف لا اسم تفضيل محذوف، لأنا فَرَرْنا بالتقدير من إعمال اسم التفضيل المذكور في المفعول، فكيف يعمل فيه المقدر؟ وقولك: «هَذَا مُعْطِي زَيْدٍ أَمْسِ دِرْهَماً» التقدير: أعطاه، ولا يقدر اسم فاعل، لأنك إنما فَرَرْتَ بالتقدير من إعمال اسم الفاعل الماضي المجرَّدِ من «أل». وقال بعضُهم في قوله تعالى: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا}⁣[طه: ٧٢]: إن الواو للقسم، فعلى هذا دليل الجواب المحذوف جملة النفي السابقة، ويجب أن يقدر: والذي فطرنا لا نؤثرك، لأن القَسَم لا يجاب بـ «لَنْ» إلا في الضرورة كقول أبي طالب [من الكامل]:


  فلم أر مثل الحي حياً مصبحاً ... ولامثلنا يوم التقينا فوارسا

  أكر فأحمى للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا

  إذا ما شددنا شدة نصبوا لها ... صدور العوالي والرماح المداعسا

  إذا الخيل هالت عن صريع فكرها ... عليهم فما يرجعن إلا عوابسا

  والكوانس المستترات والمراد بالحي أعداؤه والمصبح بفتح الباء الذي يؤتى في الصباح للغارة والكر الرجوع والحماية المنع والحقيقة ما يحق على الرجل أن يحميه وصف قومه المغار عليهم بصدر البيتين أي لم أر مثل الحي الذي أغرنا عليهم صباحاً ولم أر كراً مثل كرهم ووصف قومه يعجز البيتين أي لم أر فوارس مثلنا عند ملاقاتهم ولم أر أضرب هنا بالسيوف يضرب القوانس. قوله: (القوانسا) لا يصح نصبه بأضرب لأنه فعل تفضيل وهو لا ينصب المفعول به فهو حينئذٍ معمول لمحذوف لكن يقدر فعلاً أي يضرب القوانسا ولا يقدر اسم تفضيل دل عليه المذكور. قوله: (فكيف يعمل فيه المقدر) أي: اسم التفضيل المقدر قوله: (من إعمال اسم الفاعل الماضي المجرد) أي: وإذا كان اسم الفاعل الماضي المجرد المذكور لا يعمل فأولى المقدر لأنه ضعيف. قوله: (دليل الجواب) أي: جواب القسم، وقوله جملة النفي أي قوله لن تؤثرك أي أن هذه الجملة دليل لجواب القسم لا أنها جواب لتقدمها.

  قوله: (ويجب أن يقدر الخ) أي: أنا نقدر جواب القسم على طبق الدليل لكن لا من كل وجه لأنا لا نقدر لن في الجواب بل نقدر لا لأن القسم لا يجاب الخ فهنا إنما خولف المذكور للصناعة. قوله: (ويجب أن يقدر الخ) أي: كما يجب أن يقدر جواب لما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}⁣[يونس: ١٣] ماضياً مجرداً من قد وإن كان دليل الجواب مقترناً بها لما ثبت من أن لما لا يقترن جوابها بقد هذا إن قلنا إنها حرف وجود لوجود، وإن قلنا أنها ظرف بمعنى حين كان عاملها أهلكنا المذكور ولا جواب مقدر.