حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

ذكر أماكن من الحذف يتمرن بها المعرب

صفحة 393 - الجزء 3

  في مراودته، بدليل {تُرَاوِدُ فَتَاهَا}⁣[يوسف: ٣٠] وهو أولى لأنه فعلها بخلاف الحب {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}⁣[يوسف: ٨٢] أي: أهل القرية وأهل العير، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}⁣[الأعراف: ٨٥] أي وإلى أهل مدين بدليل {أَخَاهُمْ}؛ وقد ظهر في {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ}⁣[القصص: ٤٥]، وأما {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}⁣[الأعراف: ٤] فقدر النحويون «الأهل» بعد «من» و «أهلكنا» و «جاء»؛ وخالفهم الزمخشري في الأولين لأن القرية تهلك، ووافقهم في {فَجَاءَ} {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ٤}⁣[الأعراف: ٤]، {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}⁣[الإسراء: ٧٥]، أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ}⁣[الأحزاب: ٢١] أي رحمته {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ}⁣[النحل: ٥٠] أي: عذابه، بدليل {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}⁣[الإسراء: ٥٧]، {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا}⁣[التوبة: ٣٠] أي: يضاهي قولهم قول الذين كفروا، وقال الأعشى [من الطويل]:

  ٨٥٧ - أَلَمْ تَغتَمِض عَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَرْمَدَا ... [وبِتْ كما باتَ السَّلِيمُ مُسَهَّدَا]


  قوله: (وهو أولى) أي: تقدير المراودة أولى قوله: (لأنه) أي: ما ذكر من المراودة أو ذكر نظراً للخبر. قوله: (لأنه فعلها) أي: الاختياري وهو ملام عليه.

  قوله: (بخلاف الحب) أي: فإنه أمر قهري لا يلام عليه نعم يلام عليه من حيث تعاطي أسبابه كالتكليف بالإيمان والحاصل أن المراودة فعل لها حاصلة باكتسابها فهي قادرة على دفعها فيتأتى اللوم عليها بخلاف الحب فإنه ليس فعلاً لها ولا تقدر على دفعه لأن الفرض كونه مفرطاً بدليل قد شغفها والحب المفرط يقهر صاحبه ولا يطيق أن يدفعه، وحينئذ فلا يلام عليه فإن قلت قضية هذا إن يكن تقدير في مراودته متعيناً لا أولى كما ادعاه قلت لما كان يلام عليه باعتبار أسبابه صح تقديره اهـ تقرير شخينا دردير ... قوله: (واسأل القرية) عطف فذلكن قوله: (أي وإلى أهل مدين) أي: لأن مدين بلد. قوله: (أي أهل القرية) ذهب قوم إلى أن القرية عبر بها عن أهلها مجازاً مرسلاً لعلاقة المحبلية ولا حذف فيه والتأنيث فيها نظراً للفظ، وقيل أريد الحقيقة على سبيل المعجزة، وقيل القرية اسم مشترك بين المكان وأهله نقله ابن داود الظاهري عن بعض أهل اللغة كما في عروس الأفراح لابن السبكي. قوله: (بدليل أخاهم) أي: ولم يقل أخاها وأيضاً الأخ إنما هو للأهل لا للبلد قوله: (وقد ظهر) أي: المقدر في الآية قبل. قوله: (لأن القرية تهلك) أي: بدثورها قوله: (أي ضعف عذاب الحياة الخ) أي: لأن الحياة والممات لا يتضاعفان بل عذابهما قوله: (ألم تغتمض الخ) هذا صدر بيت من افتتاح قصيدة وعجزه:


٨٥٧ - التخريج البيت للأعشى في (ديوانه ص ١٨٥؛ وخزانة الأدب ٦/ ١٦٣؛ والخصائص ٣/ ٣٢٢؛ والدرر ٣/ ٦١؛ وشرح المفصل ١٠/ ١٠٢؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٥٧٦؛ والمحتسب ٢/ =