حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

وهي كثيرة، والذي يحضرني الآن منها عشرون موضعا

صفحة 471 - الجزء 3

  استحباب كل صلح جائز، ومثله {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ}⁣[النحل: ٨٨]، والشيء لا يكون فوق نفسه؛ وعلى الثالث قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}⁣[آل عمران: ٢٦] فإن الملك الأول عام، والثاني خاص؛ {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ٦٠}⁣[الرحمن: ٦٠] فإن الأول العمل والثاني الثَّوابِ؛ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}⁣[المائدة: ٤٥] فإن الأولى القاتلة، والثانية المقتولة؛ وكذلك بقية الآية. وعلى الرابع {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ}⁣[النساء: ١٥٣]، وقوله [من الطويل]:

  ٨٩٧ - [بلاد بِهَا كُنَّا وكنّا مِنَ أَهْلَهَا] ... إِذِ النَّاسُ نَاسُ والزَّمَانُ زَمَانُ

  فإن الثاني لو ساوَى الأول من مفهومه لم يكن في الإخبار به عنه فائدة، وإنما هذا من باب قوله [من الرجز]:

  أَنَا أَبو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي ... [اللَّهِ دَرِّي مَا أجنَّ صَدْرِي]

  أي: وشعري لم يتغير عن حالته.

  فإذا أدعِيَ أن القاعدة فيهنَّ إنما هي مستمرة مع عدم القرينة، فأما إن وجدت


  يكون المراد به هو المراد بالأول قوله: (لم يكن في الإخبار به عنه فائدة) أي: لأن الخبر يجب مغايرته للمبتدأ مفهوماً واتحاده معه ما صدقا. قوله: (أي وشعري لم يتغير) أي: وكذا يقال في البيت أي: إذا الناس لم يتغيروا والزمان لم يتغير. قوله: (فإن ادعى أن القاعدة الخ) لا يرتاب في أن هذا قصدهم ولا يجوز حمل كلاً منهم على غيره وكيف يتوهم أنهم أرادوا حمل الثاني على أنه عين الأول مع قيام القرينة الصارفة إلى أن المراد غيره أو أراد حمل الثاني على أنه غير الأول مع وجود قرينة تدل على أن المراد به نفس الأول هذا مما لا ينبغي أن يتخيل أصلاً.

  قال التفتازاني في التلويح بعد جريان هذه المسألة واعلم أن المراد أن هذا هو الأصل عند الإطلاق وخلو المقام عن القرينة وإلا فقد تعاد النكرة نكرة مع عدم المغايرة كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}⁣[الزخرف: ٨٤] وقالوا: لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية الله الذي خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يعني: قوة الشباب ومنه باب التأكيد اللفظي، وقد تعاد النكرة معرفة مع المغايرة، كقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ


٨٩٧ - التخريج البيت لرجل من عاد في (الأغاني ٢١/ ١٠٥؛ وبلا نسبة في الخصائص ٣/ ٣٣٧؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٩٤٧؛ ولسان العرب ٦/ ١١ (أنس)؛ ويروى «والبلاد بلاد مكان والزمان، زمان»).