قليلٌ مِنكَ يَكفيني، ولكن ... [قليلك لا يُقَالُ لَهُ قليل]

  وفي قوله [من البسيط]:

  [هُنَّ الْحَرَائِرُ لَا رَبَّاتُ أَخْمِرَةٍ] ... سُودُ الْمَحَاجِرِ لا تَقْرَأْنَ بالسَّوَرِ

  لما دخله من معنى: لا يتقربن بقراءة السور، ولهذا قال السهيلي: لا يجوز أن تقول: «وصل إليَّ كتابك فقرأت به» على حد قوله:

  · لايقرأن بالسور ·

  لأنه عار عن معنى التقرب.

  والثانية: جواز حذف خبر المبتدأ في نحو: «إِنَّ زَيْداً قائمٌ وعَمْرُو» اكتفاء بخبر «إنّ»، لما كان «إنّ زيداً قائم» في معنى «زيد قائم»؛ ولهذا لم يجز «لَيْتَ زَيْداً قائم وعمرو».

  والثالثة: جواز «أنا زَيْداً غَيْرُ ضَارِب» لما كان في معنى: أنا زيداً لا أضربُ، ولولا ذلك لم يجز؛ إذ لا يتقدَّم المضاف إليه على المضاف؛ فكذا لا يتقدم معموله، لا تقول: «أنا زَيْداً أوَّلُ ضارب، أو مثلُ ضارب» ودليل المسألة قوله تعالى: {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ١٨}⁣[الزخرف: ١٨]، وقول الشاعر [من الطويل]:

  قوله: (قليل منك يكفيني) أي: فقد تعدى بنفسه لعدم تضمينه.

  قوله: (لما دخله الخ) ذكر المصنف في حرف الباء أن يقرأن مضمن معنى يرقين ويتبركن ولم يذكر هناك تضمينه معنى يتقربن وذكره هنا فكأنه يشير بذلك إلى جواز إرادة الجميع في البيت وعدم إرادته في المثال قوله: (ولهذا) أي لكون الباء إنما دخلت بعد يقرأن لتضمنه معنى يتقربن قوله: (لأنه) أي: قرأت به أي: لأن قراءة الكتاب عارية من معنى التقريب فلا يصح أن يضمنه. قوله: (ليت زيداً قائم وعمرو) أي: لأن ليت زيداً قائم ليس في معنى زيد قائم؛ لأن ليت زيداً قائم لا يحتمل الصدق والكذب وزيد قائم يحتملها.

  قوله: (جواز انا ويدا غير ضارب) قال السيرافي والزمخشري وابن مالك: يجوز تقديم معمول ما أضيف إليه غير مطلقاً، قال ابن السراج يمتنع مطلقاً؛ وقيل: إن كان المعمول ظرفاً جاز وإلا امتنع قوله: (لا تقول انا زيداً أول ضارب الخ) هذا عند الجمهور وحكى ثعلب عن الكسائي جواز التقديم في المثال الأول، وحكى ابن الحاج عن بعضهم جواز التقديم في الثاني. قوله: (ودليل المسألة) أعني تقدم معمول ما أضيف إليه غير عليها سواء كان ذلك المعمول طرفاً أو غيره، فالآية دليل على جواز تقديم الجار والمجرور إذ قوله في الخصام متعلق بالمضاف إليه من قوله غير مبين.