حاشية الدسوقي على مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،

محمد بن أحمد الدسوقي (المتوفى: 1230 هـ)

القاعدة الثامنة

صفحة 547 - الجزء 3

  {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}⁣[آل عمران: ٩٢] يجوز عند أبي علي كون «ما» مصدرية، والمصدر في تأويل اسم المفعول، اهـ.

  وهذا يقتضي أن غير أبي علي لا يجيز ذلك. وقال السيرافي: إذا قيل: «قاموا ما خلا زيداً، وما عدا زيداً» فـ «ما» مصدرية، وهي وصلتها حال، وفيه معنى الاستثناء؛ قال ابن مالك: فوقعت الحال معرفة لتأوّلها بالنكرة اهـ. والتأويل: خَالِينَ عن زيد، ومُتَجاوزين زيداً؛ وأما قولُ ابن خروف والشلوبين إن «ما» وصلتها «نصب على الاستثناء» فغلط، لأن معنى الاستثناء قائم بما بعدهما لا بهما، والمنصوب على معنى لا يليق ذلك المعنى بغيره.

القاعدة الثامنة

  كثيراً ما يُغْتَفر في الثَّوَانِي ما لا يُغْتَفر في الأوائل، فمن ذلك «كُلُّ شَاةٍ وَسَخْلَتِها بدرهم» و [من الطويل]:

  ٩٣١ - أي فَتَى هَيْجاء أنت وَجَارِهَا ... [إذا ما رجال بالرحال استقلتِ]


  وقيل: إن المعنى يعودون لضد ما قالوا قوله: (والمصدر) أي: حتى تنفقوا من الحب وقوله: في تأويل اسم المفعول أي: حتى تنفقوا من الأمر المحبوب. قوله: (إن غير أبي علي لا يجيز ذلك) أي: وهو كذلك لأنه يغني عن هذا التكلف جعل ما موصولاً اسمياً محذوفاً عائدة قوله: (وهي وصلتها حال) أي: قاموا حال كونهم خلو زيد. قوله: (والتأويل الخ) أي: فقد أولت ما وصلتها بالمصدر، وأول المصدر باسم الفاعل. قوله: (لأن معنى الاستثناء) أي: وهو الإخراج قائم بما بعدهما وهو زيد في المثال أي: فكيف يقال ان ما وصلتها نصب على الاستثناء قوله: (على معنى) أي: على الاستثناء أي: وهو ما بعدهما. قوله: (لا يليق) أي: لا يليق قيام ذلك المعنى أعني: الاستثناء والأوضح لا يقوم وقوله: بغير مصدوقة هنا ما وصلتها. قوله: (وسخلتها) السخلة: ولد الشاة ذكراً أو أنثى وهو عطف على شاة فيلزم تسلط كل عليها مع أن كلاً لا تضاف لمعرفة مفردة فيجاب بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع. قوله: (وأي فتى) مضاف ومضاف إليه وفتى مضاف وهيجاء مضاف إليه وجارها عطف على فتى والمعطوف على المجرور وفيه أنه يلزم


٩٣١ - التخريج: البيت بلا نسبة في (الكتاب ٢/ ٥٥).

اللغة: الهيجاء: الحرب الشديدة الرحال: أمتعة السفر. استقل بالشيء: تفرد به ولم يشرك فيه غيره.

المعنى: أي بطل في الحرب أنت تكون في وقت لزوم الرجال لرحالهم وعدم مغادرتهم إياها، فكأنه يعرض فيه أنه جبان ولولا وجود الرجال حوله لما كان له ذكر وشهرة.